للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِعِمَارَةِ الْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ الشَّامِ وَمَعَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَأُمُّهُ هَاجَرُ، وَبَعَثَ مَعَهُ السَّكِينَةَ «١» لَهَا لِسَانٌ تَتَكَلَّمُ بِهِ يَغْدُو مَعَهَا إِبْرَاهِيمُ إِذَا غَدَتْ، وَيَرُوحُ مَعَهَا إِذَا رَاحَتْ، حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَتْ لِإِبْرَاهِيمَ: ابْنِ عَلَى مَوْضِعِي «٢» الْأَسَاسَ، فَرَفَعَ الْبَيْتَ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ، فَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، ابْغِنِي حَجَرًا أَجْعَلُهُ عَلَمًا لِلنَّاسِ، فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ: ابْغِنِي غَيْرَهُ، فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ، فَجَاءَهُ وَقَدْ أَتَى بِالرُّكْنِ فَوَضَعَهُ مَوْضِعَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَةِ، مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْحَجَرِ؟ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يكلني إليك. ابن عباس: صالح أَبُو قُبَيْسٍ «٣»: يَا إِبْرَاهِيمُ، يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ فَخُذْهَا، فَإِذَا هُوَ بِحَجَرٍ أَبْيَضَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ كَانَ آدَمُ قَدْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ جَاءَتْ سَحَابَةٌ مُرَبَّعَةٌ فِيهَا رَأْسٌ فَنَادَتْ: أَنِ ارْفَعَا عَلَى تَرْبِيعِيَّ. فَهَذَا بِنَاءُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ لَمَّا فَرَغَا مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أَعْطَاهُمَا اللَّهُ الْخَيْلَ جَزَاءً عَنْ رَفْعِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هَمَّامِ أَخُو عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كانت الخبيل وَحْشًا كَسَائِرِ الْوَحْشِ، فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِرَفْعِ الْقَوَاعِدِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمَهُ: (إِنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا ادَّخَرْتُهُ لَكُمَا) ثُمَّ أَوْحَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ أَنِ اخْرُجْ إِلَى أَجْيَادٍ فَادْعُ يَأْتِكَ الْكَنْزُ. فَخَرَجَ إِلَى أَجْيَادٍ- وَكَانَتْ وَطَنًا- وَلَا يَدْرِي مَا الدُّعَاءُ وَلَا الْكَنْزُ، فَأَلْهَمَهُ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَرَسٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ إِلَّا جَاءَتْهُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَوَاصِيهَا وَذَلَّلَهَا لَهُ، فَارْكَبُوهَا وَاعْلِفُوهَا فَإِنَّهَا مَيَامِينُ، وَهِيَ مِيرَاثُ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّمَا سُمِّيَ «٤» الْفَرَسُ عَرَبِيًّا لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ وَإِيَّاهُ أَتَى. وَرَوَى عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْبَيْتَ بِالطِّينِ وَالْحِجَارَةِ شِيثٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَمَّا بُنْيَانُ قُرَيْشٍ لَهُ فَمَشْهُورٌ، وَخَبَرُ الْحَيَّةِ فِي ذَلِكَ مَذْكُورٌ، وَكَانَتْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ هَدْمِهِ إِلَى أَنِ اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ الْمَقَامِ فَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالُوا: رَبَّنَا، لَمْ تُرَعْ! أَرَدْنَا تَشْرِيفَ بَيْتِكَ وَتَزْيِينَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا بَدَا لك فافعل، فسمعوا


(١). السكينة (بفتح فكسر): ريح خجوج، أي سريعة الحر؟.
(٢). في ج:" ابن على موضع الأساس". وأبو قبيس: اسم الجبل المشرف على مكة.
(٣). في ج:" ابن على موضع الأساس". وأبو قبيس: اسم الجبل المشرف على مكة.
(٤). هكذا في جميع النسخ التي بأيدينا.