للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضَّحَّاكُ: هُوَ تَشَاوُرُهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَرَدَ «١» النُّقَبَاءُ إِلَيْهِمْ حَتَّى اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ. وَقِيلَ تَشَاوُرُهُمْ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ، فَلَا يَسْتَأْثِرُ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ دُونَ بَعْضٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الشُّورَى أُلْفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ وَمِسْبَارٌ لِلْعُقُولِ وَسَبَبٌ إِلَى الصَّوَابِ، وَمَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا. وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ:

إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِرَأْيِ لبيب أو مشورة حَازِمٍ «٢»

وَلَا تَجْعَلِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً ... فَإِنَّ الْخَوَافِيَ قُوَّةٌ «٣» لِلْقَوَادِمِ

فَمَدَحَ اللَّهُ الْمُشَاوَرَةَ فِي الْأُمُورِ بِمَدْحِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْتَثِلُونَ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي الْآرَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحَ الْحُرُوبِ، وَذَلِكَ فِي الْآرَاءِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكُنْ يُشَاوِرُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ مِنَ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ. فَأَمَّا الصَّحَابَةُ بَعْدَ اسْتِئْثَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ عَلَيْنَا فَكَانُوا يَتَشَاوَرُونَ فِي الْأَحْكَامِ وَيَسْتَنْبِطُونَهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَوَّلُ مَا تَشَاوَرَ فِيهِ الصَّحَابَةُ الْخِلَافَةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا حَتَّى كَانَ فِيهَا بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَنْصَارِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ «٤». وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَرْضَى لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا وَتَشَاوَرُوا فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْقِتَالِ. وَتَشَاوَرُوا فِي الْجَدِّ وَمِيرَاثِهِ، وَفِي حَدِّ الْخَمْرِ وَعَدَدِهِ. وَتَشَاوَرُوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُرُوبِ، حَتَّى شَاوَرَ عُمَرُ الْهُرْمُزَانَ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا فِي الْمَغَازِي، فَقَالَ لَهُ الْهُرْمُزَانُ: مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رِيشٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَرِجْلَانِ فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ وَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ. وَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ الْوَاحِدُ قَيْصَرُ وَالْآخَرُ فَارِسُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ: مَا أَخْطَأْتُ قَطُّ! إِذَا حَزَبَنِي أَمْرٌ شَاوَرْتُ قَوْمِي فَفَعَلْتُ الَّذِي يَرَوْنَ، فَإِنْ أَصَبْتُ فَهُمُ المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون.


(١). في ح ك: وورود النقباء
(٢). البيتان لبشار بن برد. والخوافي: ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت. والقوادم: عشر ريشات في مقدم الجناح وهي كبائر الريش.
(٣). في الأصول" نافع".
(٤). راجع ج ٤ ص ٢٢٤