للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْأَقْوَاتِ وَالثِّمَارِ وَالْأَطْعِمَةِ الَّتِي كَانَتْ بِالشَّامِ. وَقِيلَ: يَعْنِي الْمَنَّ وَالسَّلْوَى فِي التِّيهِ." وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ" أَيْ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي" الدُّخَانِ" «١» بَيَانُهُ" وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَوَاهِدَ نُبُوَّتِهِ بِأَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى يَثْرِبَ، وَيَنْصُرُهُ أَهْلُ يَثْرِبَ. وَقِيلَ: بَيِّنَاتُ الْأَمْرِ شَرَائِعُ وَاضِحَاتٌ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمُعْجِزَاتٌ." فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ" يُرِيدُ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، فَآمَنَ بَعْضُهُمْ وَكَفَرَ بَعْضُهُمْ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقِيلَ:" إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ" نُبُوَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا." بَغْياً بَيْنَهُمْ" أَيْ حَسَدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَعْنَاهُ الضحاك. وقيل: مَعْنَى" بَغْياً" أَيْ بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَطْلُبُ الْفَضْلَ وَالرِّيَاسَةَ، وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ، فَكَذَا مُشْرِكُو عَصْرِكَ يَا مُحَمَّدُ، قَدْ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ أَعْرَضُوا عَنْهَا لِلْمُنَافَسَةِ فِي الرِّيَاسَةِ." إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ" أَيْ يَحْكُمُ وَيَفْصِلُ." يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" في الدنيا.

[[سورة الجاثية (٤٥): آية ١٨]]

ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ" الشَّرِيعَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَذْهَبُ وَالْمِلَّةُ. وَيُقَالُ لِمَشْرَعَةِ الْمَاءِ- وَهِيَ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ-: شَرِيعَةُ. وَمِنْهُ الشَّارِعُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْمَقْصِدِ. فَالشَّرِيعَةُ: مَا شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ، وَالْجَمْعُ الشَّرَائِعُ. وَالشَّرَائِعُ فِي الدِّينِ: الْمَذَاهِبُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِخَلْقِهِ. فَمَعْنَى" جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ" أَيْ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاضِحٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ يَشْرَعُ بِكَ إِلَى الْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" عَلى شَرِيعَةٍ" أَيْ عَلَى هُدًى مِنَ الْأَمْرِ. قَتَادَةُ: الشَّرِيعَةُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْحُدُودُ والفرائض. مقاتل: البينة، لأنها


(١). راجع ج ١٦ ص