للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ بَسَطْنَاهَا كَالْفِرَاشِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَمَدَدْنَاهَا. (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أَيْ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ نَحْنُ لَهُمْ «١». وَالْمَعْنَى فِي الْجَمْعِ التَّعْظِيمُ، مَهَّدْتُ الْفِرَاشَ مَهْدًا بَسَطْتُهُ وَوَطَّأْتُهُ، وَتَمْهِيدُ الْأُمُورِ تسويتها وإصلاحها. قولع تَعَالَى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالنُّورَ وَالظَّلَامَ، وَالسَّهْلَ وَالْجَبَلَ، وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالْبُكْرَةَ وَالْعَشِيَّ، وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الا لو ان مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَرَايِيحِ وَالْأَصْوَاتِ. أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِنَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَةِ. وَقِيلَ: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ، فَلَا يُقَدَّرُ فِي صِفَتِهِ حَرَكَةٌ وَلَا سُكُونٌ، وَلَا ضِيَاءٌ وَلَا ظَلَامٌ، وَلَا قُعُودٌ وَلَا قِيَامٌ، وَلَا ابْتِدَاءٌ وَلَا انْتِهَاءٌ، إِذْ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ «٢» شَيْءٌ.) لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥٠ الى ٥٥]

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)

(قَوْلُهُ تَعَالَى:) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) لَمَّا تَقَدَّمَ مَا جَرَى مِنْ تَكْذِيبِ أُمَمِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ، لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ قُلْ لِقَوْمِكَ: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أَيْ فِرُّوا مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِرُّوا إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. وَعَنْهُ فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) اخرجوا إلى مكة. وقال الحسين


(١). لفظة (لهم) ساقطة من ز.
(٢). راجع ج ١٦ ص ٨