للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تفسير سورة الرحمن]

سورة الرحمن [عز وجل «١»] مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا آية منها هي قوله تعالى: (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الْآيَةَ. وَهِيَ سِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا: مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ بِهِ قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا، فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ، فَأَبَى ثُمَّ قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ فَقَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ثُمَّ تَمَادَى رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا، فَتَأَمَّلُوا وَقَالُوا: مَا يَقُولُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ قَالُوا: هُوَ يَقُولُ الَّذِي يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى أَثَّرُوا فِي وَجْهِهِ. وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِنَخْلَةَ، فَقَرَأَ سُورَةَ (الرَّحْمَنِ) وَمَرَّ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ فَآمَنُوا بِهِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ (الرَّحْمَنِ) مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: (لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ:) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ) قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتْلُ عَلَيَّ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ (الرَّحْمَنِ) فَقَالَ: أَعِدْهَا، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَحَلَاوَةً، وَأَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَأَعْلَاهُ مُثْمِرٌ، وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لكل شي عروس وعروس القرآن سورة الرحمن).


(١). في ز.