للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتَهُ، ثُمَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ، رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ. قَالَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّي عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. الثَّامِنَةُ- الْإِيثَارُ: هُوَ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ وَحُظُوظِهَا الدنياوية، وَرَغْبَةٌ فِي الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ. وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ، وَتَوْكِيدِ الْمَحَبَّةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ. يُقَالُ: آثَرْتُهُ بِكَذَا، أَيْ خَصَصْتُهُ بِهِ وَفَضَّلْتُهُ. وَمَفْعُولُ الْإِيثَارِ مَحْذُوفٌ، أَيْ يُؤْثِرُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، لَا عَنْ غِنًى بَلْ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهَا، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ:" أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ. قَالَتْ: فَفَعَلَتْ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدَى لَنَا: شَاةً وَكَفَنَهَا «١». فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ فَقَالَتْ: كُلِي مِنْ هَذَا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا مِنَ الْمَالِ الرَّابِحِ، وَالْفِعْلُ الزَّاكِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يُعَجِّلُ مِنْهُ مَا يشاء ولا ينقص ذلك مما يدخر عَنْهُ. وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ لَمْ يَجِدْ فَقْدَهُ. وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي فِعْلِهَا هَذَا مِنَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَصَاصَةِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ وَأَفْلَحَ فَلَاحًا لَا خَسَارَةَ بَعْدَهُ. وَمَعْنَى (شَاةً وَكَفَنَهَا) فَإِنَّ الْعَرَبَ- أَوْ بَعْضَ الْعَرَبِ أَوْ بَعْضَ وُجُوهِهِمْ- كَانَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ، يَأْتُونَ إِلَى الشَّاةِ أَوِ الْخَرُوفِ إِذَا سَلَخُوهُ غَطَّوْهُ كُلَّهُ بِعَجِينِ الْبُرِّ وَكَفَنُوهُ بِهِ ثُمَّ عَلَّقُوهُ فِي التَّنُّورِ، فَلَا يَخْرُجُ من ودكه شي إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَذَلِكَ مِنْ طِيبِ الطعام عندهم. وروى النسائي عن نافع


(١). أي أنها كانت ملفوفة بالرغف، وسيأتي معناه بأوضح من هذا. وقولها:" ما كان يهدى لنا" تريد أن عائشة رضى الله عنها لم تعلم بذلك ولم تحتسب به فتثق به وتعول عليه، ولكن الله سبحانه عوضها من حيث لا تحتسب. (شرح الموطإ).