للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الجمعة (٦٢): الآيات ٦ الى ٧]

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)

لَمَّا ادَّعَتِ الْيَهُودُ الْفَضِيلَةَ وَقَالُوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَلِلْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اللَّهِ الْكَرَامَةُ. (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لِتَصِيرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أَيْ أَسْلَفُوهُ مِنْ تَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ تَمَنَّوْهُ لَمَاتُوا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْوِلَايَةِ. وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلَّا مَاتَ). وَفِي هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ، وَمُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي" الْبَقَرَةِ" فِي قَوْلُهُ تَعَالَى-: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «١» [البقرة: ٩٤].

[[سورة الجمعة (٦٢): آية ٨]]

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)

قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يقال: إن زيدا فمنطلق، وها هنا قَالَ: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ «٢» لِمَا فِي مَعْنَى الَّذِي مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ، وَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْفِرَارُ مِنْهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

قُلْتُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتِمَّ الكلام عند قوله قَوْلِهِ: الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ. وقال طرقة:


(١). راجع ج ٢ ص (٣٣)
(٢). ما بين المربعين ساقط من ح، س.