للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ خَطَائِيَّ عَلَى فَعَائِلَ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْهَمْزَتَانِ قُلِبَتِ الثَّانِيَةُ يَاءً، لِأَنَّ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ثُمَّ اسْتُثْقِلَتْ وَالْجَمْعُ ثَقِيلٍ، وَهُوَ مُعْتَلٌّ مَعَ ذَلِكَ، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى يَاءً لِخَفَائِهَا بَيْنَ الْأَلِفَيْنِ. الْبَاقُونَ خَطِيئاتِهِمْ عَلَى جَمْعِ السَّلَامَةِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَوْمٌ كَفَرُوا أَلْفَ سَنَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا خَطِيَّاتٌ، يُرِيدُ أَنَّ الْخَطَايَا أَكْثَرُ مِنَ الْخَطِيَّاتِ. وَقَالَ قَوْمٌ: خَطَايَا وَخَطِيَّاتٌ وَاحِدٌ، جَمْعَانِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ «١» اللَّهِ [لقمان: ٢٧] وَقَالَ الشَّاعِرُ: «٢»

لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

وقرى خَطِيئاتِهِمْ «٣» وخطياتهم بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً وَإِدْغَامِهَا. وَعَنِ الْجَحْدَرِيِّ وَعَمْرِو ابن عُبَيْدٍ وَالْأَعْمَشِ وَأَبِي حَيْوَةَ وَأَشْهَبَ الْعُقَيْلِيِّ" خَطِيئَتِهِمْ" عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْمُرَادُ الشِّرْكُ. (فَأُدْخِلُوا نَارًا) أَيْ بَعْدَ إِغْرَاقِهِمْ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمُنْكِرُوهُ يَقُولُونَ: صَارُوا مُسْتَحِقِّينَ دُخُولَ النَّارِ، أَوْ عُرِضَ عَلَيْهِمْ أَمَاكِنَهُمْ مِنَ النَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا»

[غافر: ٤٦]. وَقِيلَ: أَشَارُوا إِلَى مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ قوله: (البحر نار في نَارٍ). وَرَوَى أَبُو رَوْقٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا قَالَ: يَعْنِي عُذِّبُوا بِالنَّارِ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْغَرَقِ فِي الدُّنْيَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، كَانُوا يَغْرَقُونَ فِي جَانِبٍ وَيَحْتَرِقُونَ فِي الْمَاءِ مِنْ جَانِبٍ. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُبَيْبِيُّ قَالَ أَنْشَدَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رُمَيْحٍ قَالَ أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ:

الْخَلْقُ مُجْتَمِعٌ طَوْرًا وَمُفْتَرِقٌ ... وَالْحَادِثَاتُ فُنُونٌ ذَاتُ أَطْوَارِ

لَا تَعْجَبَنَّ لِأَضْدَادٍ إِنِ اجْتَمَعَتْ ... فَاللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ

(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً) أَيْ مَنْ يَدْفَعُ عنهم العذاب.


(١). راجع ج ١٤ ص (٧٧).
(٢). هو حسان بن ثابت.
(٣). في ا، ح:" خطاياهم".
(٤). راجع ج ١٥ ص ٣١٩.