للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الجن (٧٢): الآيات ١٩ الى ٢١]

وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) يَجُوزُ الْفَتْحُ، أَيْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ. ويجوز الكسر على الاستئناف. وعَبْدُ اللَّهِ هُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يُصَلِّي بِبَطْنِ «١» نَخْلَةَ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ. يَدْعُوهُ أَيْ يَعْبُدُهُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَدْعُوهُ أَيْ قَامَ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: هُمُ الْجِنُّ حِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَيْ كَادَ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ازْدِحَامًا وَيَسْقُطُونَ، حِرْصًا عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: كَادُوا يَرْكَبُونَهُ حِرْصًا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: رَغْبَةً فِي سَمَاعِ الذِّكْرِ. وَرَوَى بُرْدٌ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ الْجِنَّ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَفَرَغُوا مِنْ بَيْعَتِهِ عِنْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ طَاعَةِ أَصْحَابِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وايتمامهم بِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَادَ الْمُشْرِكُونَ يَرْكَبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَرْدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ بِالدَّعْوَةِ تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لِيُطْفِئُوهُ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُتِمَّ نُورَهُ. وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: كَادَتِ الْعَرَبُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَظَاهَرُونَ عَلَى إِطْفَاءِ النُّورِ الَّذِي جَاءَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُ لِبَداً جَمَاعَاتٍ وَهُوَ مِنْ تَلَبُّدِ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ أَيْ تَجَمُّعٍ، وَمِنْهُ اللِّبَدُ الَّذِي يُفْرَشُ لِتَرَاكُمِ صُوفِهِ «٢»، وكل شي ألصقته إلصاقا شديدا


(١). في تاج العروس: (نخلة): موضع بين مكة والطائف ويقال له (بطن نخلة).
(٢). في ا، ح: (صفوفه). وفي ط (صفه).