للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنْ نَزَلَ مِنَ الدِّمَاغِ، فَإِنَّمَا يَمُرُّ بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى وَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَأْتِي عَنِ الْعَرَبِ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَى مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ: مِنَ الصُّلْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى: يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الرَّجُلِ، وَمِنْ صُلْبِ الْمَرْأَةِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ. ثُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ النُّطْفَةَ مِنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَلِذَلِكَ يُشْبِهُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ كَثِيرًا «١». وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ جَمِيعِ الْجَسَدِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ. وَأَيْضًا الْمُكْثِرُ مِنَ الْجِمَاعِ يَجِدُ وَجَعًا فِي ظَهْرِهِ وَصُلْبِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِخُلُوِّ صُلْبِهِ عَمَّا كَانَ مُحْتَبِسًا مِنَ الْمَاءِ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ بِضَمِّ اللَّامِ. وَرُوِيَتْ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيِّ. حَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ وَقَالَ: مَنْ جَعَلَ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِهِ، فَالضَّمِيرُ فِي يَخْرُجُ لِلْمَاءِ. وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرجل وترائب المرأة، فالضمير للإنسان. وقرى (الصَّلَبِ)، بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ. وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ «٢»: صُلْبٌ وَصَلْبٌ وَصَلَبٌ وَصَالَبٌ. قَالَ الْعَجَّاجُ:

فِي صَلَبٍ مِثْلِ الْعِنَانِ الْمُؤْدَمِ

وَفِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

تَنْقُلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ

«٣» الْأَبْيَاتُ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ. إِنَّهُ أَيْ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلى رَجْعِهِ أَيْ عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الْإِحْلِيلِ، لَقادِرٌ كَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ. وَعَنْهُمَا أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى: إنه على رد الماء في الصلب، وقال عِكْرِمَةُ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ لَقَادِرٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ، وَمِنَ الشَّبَابِ إِلَى الْكِبَرِ، لَقَادِرٌ. وَكَذَا فِي الْمَهْدَوِيِّ. وَفِي الْمَاوَرْدِيِّ وَالثَّعْلَبِيِّ: إِلَى الصِّبَا، وَمِنَ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ، لَقَادِرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَقَادِرٌ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. الثَّعْلَبِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ [الطارق: ٩] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ إِلَى الدُّنْيَا بَعْدَ بَعْثِهِ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ الكفار يسألون الله تعالى فيها الرجعة.


(١). وقال الأستاذ الامام في تفسير جزء (عم): كنى بالصلب عن الرجل، وبالترائب عن المرأة.
(٢). أنظر ما سبق في ص ٥.
(٣). تمام البيت
إذا بدا عالم بدا طبق

وهو من قول للعباس بن عبد المطلب فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.