للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الفجر (٨٩): الآيات ٢٢ الى ٢٣]

وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجاءَ رَبُّكَ) أَيْ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ. وَقِيلَ: أَيْ جَاءَهُمُ الرَّبُّ بِالْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «١» [البقرة: ٢١٠]، أَيْ بِظُلَلٍ. وَقِيلَ: جَعَلَ مَجِيءَ الْآيَاتِ مَجِيئًا لَهُ، تَفْخِيمًا لِشَأْنِ تِلْكَ الْآيَاتِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: (يَا بْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، وَاسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، وَاسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي). وَقِيلَ: وَجاءَ رَبُّكَ أَيْ زَالَتِ الشُّبَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَصَارَتِ الْمَعَارِفُ ضَرُورِيَّةً، كَمَا تَزُولُ الشُّبَهُ وَالشَّكُّ عِنْدَ مَجِيءِ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ يُشَكُّ فِيهِ. قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ: ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ وَاسْتَوْلَتْ «٢»، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّى لَهُ التَّحَوُّلُ وَالِانْتِقَالُ، وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا أَوَانَ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ وَقْتٌ وَلَا زَمَانٌ، لِأَنَّ فِي جَرَيَانِ الْوَقْتِ عَلَى الشَّيْءِ فَوْتُ الْأَوْقَاتِ، وَمَنْ فاته شي فَهُوَ عَاجِزٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمَلَكُ) أَيِ الْمَلَائِكَةُ. (صَفًّا صَفًّا) أي صفوفا. (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ): قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُقَاتِلٌ: تُقَادُ جَهَنَّمُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، كُلُّ زِمَامٍ بِيَدِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَهَا تَغَيُّظٌ وَزَفِيرٌ، حَتَّى تُنْصَبَ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ. وَفِي صَحِيحِ، مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا]. وَقَالَ أبو سعيد الخدري: لما نزلت وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تَغَيَّرَ لَوْنُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ فِي وَجْهِهِ. حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: [أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا- الْآيَةَ- وجئ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ]. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُجَاءُ بِهَا؟ قَالَ: (تُؤْتَى بِهَا تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، يَقُودُ بِكُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَتَشْرُدُ شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع


(١). آية ٢١٠ سورة البقرة.
(٢). في بعض الأصول: (واستوت).