للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: [مَنْ أَعْتَقَ امرأ مسلما] و [من أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً]. وَمَا ذَكَرَهُ أَصْبَغُ وَهْلَةٌ «١»، وَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى تَنْقِيصِ الْمَالِ، وَالنَّظَرُ إِلَى تَجْرِيدِ الْمُعْتَقِ لِلْعِبَادَةِ، وَتَفْرِيغِهِ لِلتَّوْحِيدِ، أَوْلَى. الثَّالِثَةُ- الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ. وَالْآيَةُ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِتَقْدِيمِ الْعِتْقِ عَلَى الصَّدَقَةِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ فَضْلُ نَفَقَةٍ: أَيَضَعُهُ فِي ذِي قَرَابَةٍ أَوْ يُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: الرَّقَبَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ فَكَّ رَقَبَةً فَكَّ اللَّهُ بكل عضو منها عضوا من النار]

[سورة البلد (٩٠): الآيات ١٤ الى ١٦]

أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) أَيْ مَجَاعَةٍ. وَالسَّغَبُ: الْجُوعُ. وَالسَّاغِبُ الْجَائِعُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذَا مَسْغَبَةٍ بِالْأَلِفِ فِي ذَا- وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:

فَلَوْ كنت جارا «٢» يا بن قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ ... لَمَا بِتَّ شَبْعَانًا وَجَارُكَ سَاغِبًا

وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ فَضِيلَةٌ، وَهُوَ مَعَ السَّغَبِ الَّذِي هُوَ الْجُوعُ أَفْضَلُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِي قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ قَالَ: فِي يَوْمٍ عَزِيزٍ فِيهِ الطَّعَامُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّحْمَةِ إِطْعَامُ الْمُسْلِمِ السَّغْبَانِ]. (يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) أَيْ قَرَابَةٍ. يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو قَرَابَتِي وَذُو مَقْرَبَتِي. يُعْلِمُكَ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْقَرَابَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ الْقَرَابَةِ، كَمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ الَّذِي لَا كَافِلَ لَهُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ الَّذِي يَجِدُ مَنْ يَكْفُلُهُ. وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: سُمِّيَ يَتِيمًا لِضَعْفِهِ. يُقَالُ: يَتِمَ الرَّجُلَ يتما: إذا ضعف.


(١). كذا في الأصول وابن العربي، ولعلها المرة من الوهل، وهو الغلط. وهل إلى الشيء (بالفتح) يهل (بالكسر) وهلا (بالسكون): إذا ذهب وهمه إليه. ويجوز أن يكون بمعنى غلطة أو سهوة.
(٢). كذا في الأصول. يريد: فلو كنت جارا قائما بحق الجوار لما حدث هذا.