للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُخَالِفُونَهُ، لَكَانَ الْحُكْمُ الْعَمَلُ بِمَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ، وَرَفْضُ مَا يَحْكِيهِ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ، الَّذِي يُسْرِعُ إِلَيْهِ مِنَ النِّسْيَانِ مَا لَا يُسْرِعُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَفِي الْمُرَادِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: آدَمُ وَحَوَّاءُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ. الثَّانِي: يَعْنِي جَمِيعَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ نَوْعِهِمْ. وَقِيلَ: كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْبَهَائِمِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِوِلَايَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُخْتَلِفٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَسَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: السَّعْيُ: الْعَمَلُ، فَسَاعٍ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَسَاعٍ فِي عَطَبِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (النَّاسُ غَادِيَانِ: فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا) «١». وَشَتَّى: وَاحِدُهُ شَتِيتٌ، مِثْلُ مَرِيضٍ وَمَرْضَى. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُخْتَلِفِ شَتَّى لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ بَعْضِهِ وَبَعْضِهِ. أَيْ إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُتَبَاعِدٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ بَعْضَهُ ضَلَالَةٌ وَبَعْضَهُ هُدًى. أَيْ فَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَبَرٌّ، وَكَافِرٌ وَفَاجِرٌ، وَمُطِيعٌ وَعَاصٍ. وَقِيلَ: لَشَتَّى أَيْ لَمُخْتَلِفُ الْجَزَاءِ، فَمِنْكُمْ مُثَابٌ بِالْجَنَّةِ، وَمُعَاقَبٌ بِالنَّارِ. وَقِيلَ: أَيْ لَمُخْتَلِفُ الْأَخْلَاقِ، فَمِنْكُمْ رَاحِمٌ وَقَاسٍ، وَحَلِيمٌ وَطَائِشٌ، وَجَوَادٌ وَبَخِيلٌ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.

[سورة الليل (٩٢): الآيات ٥ الى ١٠]

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَهُ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. فَرُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ عَجَائِزَ وَنِسَاءَ، قَالَ: فقال له أبوه قحافة: أي بني! لو أنك


(١). هذه رواية الحديث كما قي الثعلبي. والذي في نسخ الأصل: (الناس غاديان: فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها).