للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ وَلَا خَطَرٌ يَصِيرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ذَا قَدْرٍ إِذَا أَحْيَاهَا. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ فِيهَا كِتَابًا ذَا قَدْرٍ، عَلَى رَسُولٍ ذِي قَدْرٍ، عَلَى أُمَّةِ ذَاتِ قَدْرٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَنْزِلُ فِيهَا مَلَائِكَةٌ ذَوُو قَدْرٍ وَخَطَرٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ فِيهَا الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ وَالْمَغْفِرَةَ. وَقَالَ سَهْلٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فِيهَا الرَّحْمَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «١» [الطلاق: ٧] أي ضيق.

[سورة القدر (٩٧): الآيات ٢ الى ٣]

وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)

قَالَ الْفَرَّاءُ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ فَقَدْ أَدْرَاهُ. وَمَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما يُدْرِيكَ [الأحزاب: ٦٣] فَلَمْ يُدْرِهِ. وَقَالَهُ سُفْيَانُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) بَيَّنَ فَضْلَهَا وَعِظَمَهَا. وَفَضِيلَةُ الزَّمَانِ إِنَّمَا تَكُونُ بِكَثْرَةٍ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُقَسَّمُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي أَلْفِ شَهْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَيِ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَا تَكُونُ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَقِيلَ: عَنَى بِأَلْفِ شَهْرٍ جَمِيعَ الدَّهْرِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْأَلْفَ فِي غَايَةِ الْأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ «٣» [البقرة: ٩٦] يَعْنِي جَمِيعَ الدَّهْرِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَابِدَ كَانَ فِيمَا مَضَى لَا يُسَمَّى عَابِدًا حَتَّى يَعْبُدَ اللَّهَ أَلْفَ شَهْرٍ، ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَادَةَ لَيْلَةٍ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: كَانَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ خَمْسَمِائَةِ شَهْرٍ، وَمُلْكُ ذِي الْقَرْنَيْنِ خَمْسَمِائَةِ شَهْرٍ فَصَارَ مُلْكُهُمَا أَلْفَ شَهْرٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَمَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِمَنْ أَدْرَكَهَا خَيْرًا مِنْ مُلْكِهِمَا. وَقَالَ ابن مسعود: إن النبي صلى الله


(١). آية ٧ سورة الطلاق.
(٢). راجع ج ١٨ ص ٢٥٧ وج ١٩ ص ٢٤٧ وص ٣ من هذا الجزء.
(٣). آية ٩٦ سورة البقرة.