للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّمَاءَ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ سَبْعٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ هِلَالٌ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ. وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا ظَهَرَتْ حَيَاتُهُ بِصُرَاخِهِ. وَاسْتَهَلَّ وَجْهُهُ فَرَحًا وَتَهَلَّلَ إِذَا ظَهَرَ فِيهِ السُّرُورُ. قَالَ أَبُو كَبِيرٍ:

وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ ... بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ الْمُتَهَلِّلِ

وَيُقَالُ: أَهْلَلْنَا الْهِلَالَ إِذَا دَخَلْنَا فِيهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:" وَأَهَلَّ الْهِلَالُ وَاسْتَهَلَّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَيُقَالُ أَيْضًا: اسْتَهَلَّ بِمَعْنَى تَبَيَّنَ، وَلَا يُقَالُ: أَهَلَّ وَيُقَالُ: أَهْلَلْنَا عَنْ لَيْلَةِ كَذَا، وَلَا يُقَالُ: أَهْلَلْنَاهُ فَهَلَّ، كَمَا يُقَالُ: أَدْخَلْنَاهُ فَدَخَلَ، وَهُوَ قِيَاسُهُ": قَالَ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَيُقَالُ: أَهَلَّ الْهِلَالُ وَاسْتَهَلَّ وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ وَاسْتَهْلَلْنَا. الثَّالِثَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمُهُ أَوْ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فِي الْهِلَالِ أَوْ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ عِنْدَ الْهِلَالِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ. وَجَمِيعُ الشُّهُورِ تَصْلُحُ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" تَبْيِينٌ لِوَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي زِيَادَةِ الْقَمَرِ وَنُقْصَانِهِ، وَهُوَ زَوَالُ الْإِشْكَالِ فِي الْآجَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْإِيمَانِ وَالْحَجِّ وَالْعَدَدِ وَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَمُدَّةِ الْحَمْلِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَكْرِيَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْحَقُّ:" وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ" [الاسراء: ١٢] عَلَى مَا يَأْتِي «١». وَقَوْلُهُ:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ «٢» " [يونس: ٥]. وَإِحْصَاءُ الْأَهِلَّةِ أَيْسَرُ مِنْ إِحْصَاءِ الْأَيَّامِ. الرَّابِعَةُ- وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ إِلَى الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ سِنِينَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ الْيَهُودَ عَلَى شَطْرِ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غير توقيت. وهذا


(١). راجع ج ١٠ ص ٢٢٧.
(٢). راجع ج ٨ ص ٣٠٩.