للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الثورة الطبقية]

صور نتائج هذه الأوضاع التي انتهت إليها أمور الحكام والمحكومين في أواخر عصر الأسرة السادسة حكيم مصري يدعى إيبوور "أو إبو العجوز". ويغلب على الظن أنه عاش في أواخر عهد ببي الثاني أو في عهد أحد خلفائه الضعاف. ويغلب على الظن أيضًا أنه كان ذا صلة بمناصب الدلتا، وأنه نجح بعد لأي في أن يبلغ صوته إلى أهل البلاط، وربما نجح في مقابلة الفرعون نفسه، وحاول أن يحمله هو وحكومته تبعة ما انتهت إليه أحوال البلاد على أيامه من ضعف ودمار. وحفظ الوطنيون المصريون آراء إيبوور ووصفه لأحداث عصره١ مما سنعود إلى تفصيله وتحليل عناصره في فصل الأدب. ويكفي أن نذكر هنا أن الرجل صور ثورة عنيفة عارمة ضد الأوضاع السياسية والاجتماعية التي اشتد فسادها في أيامه. ويفهم من حديثه أنها بدأت بالعاصمة وأنه صحبها في بدايتها شيء من العنف ورغبة التنفيث والانتقام، فنزع الثوار عن ملكيتهم القائمة ما تبقى لها من قداسة شكلية، وأباحوا لأنفسهم أن يتقاسموا أملاكها ومواردها وأملاك أنصارها، وقلبوا أوضاع العاصمة رأسًا على عقب واقتحموا دواوينها ومزقوا وثائقها، "وانقلبت العاصمة في ساعة" على حد قوله، "وانكشفت أسرار ملكية الصعيد والدلتا"، وجرى بعض أهل الأقاليم مجرى أهل العاصمة فهاجموا المتسيطرين عليهم "وقالت كل مدينة دعونا نقصي العتاة من بيننا". ولم تقتصر حملات الناقمين على الأثرياء الأحياء وحدهم، وإنما امتدت كذلك إلى مقابر الأثرياء الموتى الذين نعموا في دنياهم لما لم ينعم به سواهم، ثم رصدوا على أهرامهم ومقابرهم ومعابدهم من الخيرات والأوقاف ما كان الأحياء من أفراد الشعب أولى بمثله.

بيد أنه على الرغم من السوءات التي صاحبت تلك الثورة في بدايتها، ترتبت عليها نتائج أخرى طيبة صور إيبوور بعضها، وكانت أوضحها ثلاثة، وهي:


١ Papyrus Laiden, I, ٣٤٤ Rt, ; A.H. Gradiner, The Admonitions Of An Egyptian Sage, Leipzing, ١٩٠٩.

<<  <   >  >>