للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مظاهر الأفول في النصف الثاني لعصر الأسرة الثالثة عشرة]

انتقلت مقاليد الحكم من أولئك النفر من الملوك إلى ملوك آخرين وثبوا على العرش واحدًا بعد الآخر، لم تلعب الوراثة بينهم دورًا واضحًا ولم تربط بينهم صلات قرابة ظاهرة. وإنما جمعت بين عهودهم روابط أخرى من قلة الاستقرار وفساد الإدارة وتفرق الكلمة واضطراب حبل الولاء في الداخل وفي الخارج. وصورت حال مصر إبان فترات حكمهم أربعة مصادر، وهي: بردية تورين، وآثارهم القليلة القائمة، ونصوص تسمى اصطلاحًا نصوص اللعنة، ثم تعليقات المؤرخ المصري مانيتون.

فقد بقي من أسماء أولئك الملوك على بردية تورين نحو ستين اسمًا، وردت في غير ترتيب يعتمد على صحته. وحكم ثلاثة وعشرون منهم في اثنين وخمسين عامًا بمعدل يزيد عن العاملين بقليل لكل منهم. ويعتقد الأستاذ ألن جاردنر١. أن البردية كانت تتضمن أصلًا نحو مائة وثمانين اسمًا من ملوك الأسرة، وهو لو صح عدد ضخم لم يسبق أن تواتر مثله لأسرة مصرية حاكمة، وليس في ذلك غير ما يدل على اضطراب الحكم في نهاية عصر الأسرة بوجه خاص، وعلى أن ملوكها لم يأمنوا البقاء على عروشهم لفترات طويلة. وليس من المستبعد أن بعض أصحاب تلك الأسماء الملكية الكثيرة كانوا متعاصرين يحكم كل منهم منطقة محدودة من أرض مصر، ولكنه يدعي لنفسه صفة الملك وينتحل على آثاره وبين رعاياه ألقاب الفراعنة.

وزكت الآثار القائمة هذا الاحتمال الأخير، فعثر لبعض ملوك العصر الأواخر على آثار في الصعيد دون الوجه البحري، والعكس بالعكس صحيح، وذلك مما ينم عن تفتت وحدة البلاد في عهودهم وضآلة الإمكانيات السياسية والمادية التي توفرت لهم.

وصورت نصوص اللعنة الظروف السابقة نفسها من زوايا أخرى، وكانت عبارة عن دعوات كتبها الكنهة "السحرة" بالمداد الأحمر على قدور من الفخار الأحمر وتماثيل صغيرة من الصلصال، وصبوا اللعنة فيها على أفراد من البلاط الفرعوني، ونفر من حكام النوبة وعدد من شيوخ الصحراء الليبية وعدد من حكام القبائل والمدن في جنوب الشام٢. وكان من المفروض أن يجمع الكهنة هذه القدور والتماثيل الصغيرة بأسمائها الملعونة، ويتلوا عليها قراءات سحرية معينة ثم يحطموها في حفل خاص؛ أملًا في أن يؤدي تحطيمها إلى تحطيم عزائم المذكورين عليها. وكل ما يعنينا الآن منها هو دلالتها على أن الأخطار التي تعرض لها أمن


١ Gardiner, The Turin Canon Of Kings, ١٩٥٢, ١٩٥٩.
٢ K Sethe, Die Aechtung Feindlicher Fursten, ١٩٢٦; G. Posener, Princes Et Pays
وارجع بعض هذه الأسماء ودلالتها في الجزء الخامس ببلاد الشام من هذا الكتاب. D’ Asie Et De Nubie, ١٩٤٠.

<<  <   >  >>