للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: الثيوقراطية والفتور في عصر الأسرة الحادية والعشرين ١٠٨٧ - ٩٤٥ق. م

ارتبطت سياسة هذه الأسرة بأحداث الفترة الأخيرة من عصر الأسرة السابقة لها، وبدأت بعاصمتين للحكم: عاصمة في طيبة التي ضمن فيها كبار كهنة آمون خلفاء حريحور صاحب السلطان الواسع في عهد رمسيس الحادي عشر، لأنفسهم حكمًا ثيوقراطيًّا اعتمدوا في تدعيمه على ما تخلف لمدينتهم مقر آمون رع رب الدولة، من ثراء موروث وسيادة دينية، وزعامة صعيدية، وإشراف على خيرات النوبة. وقد مدوا نفوذهم حتى الحيبة في مصر الوسطى وحصنوها١. ثم عاصمة في بر رعمسسو "أو "تانيس" بشرق الدلتا حكم فيها بيت نيسو بانب جد "أو نس بانب جدة" الذي ذكره أفريكانوس عن مانيتون باسم سمندس "الأول"، صاحب السلطان في الوجه البحري ومصر الوسطى منذ عهد الملك نفسه، وقد استند أفراده إلى اعتبارهم الورثة الشرعيين للأسرة السابقة لهم بحكم قرابتهم أو مصاهرتهم لها بعد أن أيد رأسهم شرعية سلطته بزواجه من تانت آمون سليلة الرعامسة، كما شجعهم ما كانو يصيبونه من ثراء ورخاء نسبيين نتيجة لإشرافهم على تجارة مصر الخارجية مع آسيا الغربية وحوض البحر المتوسط. وقد وجد هذان البيتان الحاكمان أنه لا قبل لأحدهما بتجاهل الآخر أو الانفراد بالأمر دونه، فأتما سياسة المسالمة التي بدأها حريحور، وزاوجا بين سلطتيهما الدينية والدنيوية عن طريق مصاهرة بيتيهما، واعتزا معًا بمذهب آمون رع. وكان أكثر الغنم في تحالفهما للبيت الشمالي، إذ بقيت الألقاب الفرعونية في رجاله. وتلقب أغلب فراعنة هذا البيت الشمالي بلقب ستبن آمون ولقب مري آمون، أي المصطفى من آمون وحبيبه، مما يعني حرصهم على إبقاء صلاتهم برب طيبة رب الدولة الكبير. وثمة نص في محاجر الجبلين ينسب إلى نيسو بانب جد أنه جلس ذات مرة في قصره في منف يفكر في عمل يكسبه التكريم، وكان قد بلغه أن بهو أعمدة بني في عهد تحوتمس الثالث في الأقصر قد طغى الماء عليه حتى كاد أن يبلغ سقفه، فأرسل ثلاثة آلاف عامل لقطع الأحجار وترميمه. وقد يعني هذا العمل رغبة الفرعون في مد نشاطه ومآثره إلى طيبة. وأيد حكام طيبة بدورهم سلطتهم باتخاذ أكثر من اسم واحد على عادة الملوك، ولكن قلما وضعوا أسماءهم في الخراطيش الملكية. وجمعوا بين ألقابهم الكهنوتية وبين ألقاب عسكرية مثل القائد الكبير للجيش، والقائد الأعلى للجيش في البلاد كلها.

ولا زال بعض الجدل قائمًا حول تأريخ عصر الأسرة الحادية والعشرين وتتابع ملوكه وكبار كهنته، بل وحول الصيغ المرجحة لألقاب هؤلاء وهؤلاء. وكان أفريكانوس قد نقل عن مانيتون ذكر سبعة أسماء لملوك هذا العصر نسبهم إلى العاصمة تانيس وقدر مجموع مدد حكمهم بمائة وثلاثين عامًا. واحتفظت الآثار المكتشفة حتى الآن والنصوص الموجزة المسجلة على التوابيت وأكفان المومياوات بما يزكي صحة بعض هذه


١ See, H. Kees, Op. Cit.; Ancient Egypt, ٢٠٣.

<<  <   >  >>