للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق والبهتان ١:

رمز أدباء من الدولة الحديثة إلى العناصر الخلقية في الأسطورة السابقة بصورة توائم عصرهم، ولم يذكروا فيها أوزير وست صراحة، وإنما كنوا عنهما باسمين معنويين، وهما: الحق والبهتان. وكانا أخوين عاشا بين البشر، وأراد البهتان أن يكيد لأخيه فترك خنجره وديعة لديه، ثم استلبه منه خفية، وعاد فطالبه به، ولما اعتذر أخوه له عن ضياعه لم يقبل عذره، ولما حاول أن يعوضه عنه لم يقبل عوضه، وشكاه إلى الأرباب، وادعى أن سلاح خنجره كان في ارتفاع الجبل، وأن مقبضه لا يقل ارتفاعًا عن الشجر، ففوض الأرباب له أن يقترح التعويض الذي يحبه، فأصر على أن يقتلع عيني أخيه ويستخدمه حارسًا لداره، فأجابه الأرباب إلى ما أراده.

وأذل البهتان أخاه، وجعله حارسًا لبابه، ولكنه كان كلما نظر إليه أحس بالخزي وبأن الضرير لا يزال يحتفظ بوقاره وجماله، فأمر عبدين بأن يلقياه إلى السباع. ولما خرج العبدان بالحق قال لهما: أتضحيان بي من أجل البهتان؟ واستعطفهما، فرقا له وتركاه بناحية من نواحي الجبل، وعادا إلى مولاهما وأوهماه بأنهما نفذا أمره.

وبعد حين شهدت الحق أنثى بارعة الجمال هفا إليه فؤادها، فبعثت إليه جاريتها تستدعيه ثم تزوجته لكنها خشيت أن يعايرها الناس به، فأخفت خبر قرانه بها، وخصصت له حجرة بجانب باب دارها، وأثمر الزواج طفلًا، تعهدته الأم بالتربية الصالحة، وأخفت عنه سر أبيه، وألحقته بمدرسة أتقن الكتابة فيها، وتعلم فنون الرياضة والنزال وتفوق على أقرانه فيها، ولكن نغص عليه سعادته أن زملاءه كانوا يسألونه دائمًا عن أبيه، ويعيرونه بأنه لا أب له، ولما شب أصر على أن يعرف حقيقة أبيه من أمه، فدلته عليه وأخبرته أنه بواب دارها، فاستنكر فعلتها، ولم يأب أن يصارحها برأيه فيها، وأن مماتها كان أفضل من حياتها.

وأراد الغلام أن يكيد لعمه البهتان كما كاد هو لأبيه، فأخذ معه ثورًا سمينًا وعهد به إلى أحد الرعاة الذين يستخدمهم عمه، وطلب منه أن يرعاه حتى يعود من سفره في مقابل أجر أعطاه إياه. وحدث أن تفقد البهتان مراعيه، فأعجب بالثور وذبحه، دون أن يعبأ بتوسلات راعيه. وعاد الغلام بعد شهور، وشكا الراعي ومولاه إلى الأرباب، وأراد أن يعجز البهتان عن التعويض، فادعى أن ثوره كان ينجب ستين عجلًا كل يوم، وأنه كان إذا وقف وسط الدلتا بلغ أحد قرنيه جبالها الشرقية ومس قرنه الآخر جبالها الغربية. فتعجب الأرباب من دعواه، وقالوا إنهم لم يروا ثورًا بمثل هذه الضخامة، فأجابهم: وهل رأيتم خنجرًا بضخامة الخنجر الذي حكمتم على أبي بالعمى من أجله؟ وهنا أسقط في يد الأرباب وعلموا أن البهتان خدعهم، فردوا على الحق بصره، وأمروا بجلد البهتان مائة جلدة، وبجرحه خمسة جراح بالغة وفقء عينيه، وبأن يصبح بوابًا لأخيه جزاء وفاقًا على ما كان قد فعله به. وعبر القصاص بهذا العقاب عما أصبحت عليه العقوبات البدنية في عصرهم، كما عبروا بتربية الابن تربية كتابية ورياضية وعسكرية عما كان يستحبونه لتربية أبناء الكبراء في أيامهم.


١ Chester Beatty Pap. Ii; Gardiner. Hieatic Papyri, ٣rd Vol. Series, I, ٦.

<<  <   >  >>