للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشرق الأدنى القديم]

[الفصل الأول: التشابه والتنوع في الشرق الأدنى القديم وتأثيرات البيئة في حياة أهله]

[مدخل]

...

[الشرق الأدنى القديم]

[الفصل الأول: التشابه والتنوع في الشرق الأدنى القديم وتأثيرات البيئة في حياة أهله]

تعبير الشرق الأدنى القديم تعبير اصطلاحي تأثر إلى حد ما بالتعبير الأوروبي " The Ancient Near East" وقد امتدت معالم الحضارات القديمة فيه امتدادا عميقا واسعا، على الرغم من غلبة الطابع الصحراوي على معظم أراضيه. فانتشرت خلال عصور ازدهارها من أعالي الشام وأعالي العراق شمالا حتى سواحل بحر العرب "أو المحيط الهندي" جنوبًا، ومن شمال إفريقيا وشمال السودان غربًا حتى الخليج العربي شرقًا، وشغلت ما يشغله الشرق العربي في حدوده الحالية. وبعد أن سايرت الحضارات الأولية الدهور الحجرية في هذا الشرق الأدنى بقية حضارات العالم المسكون التي عاصرتها، تميزت عنها بالسبق الحضاري منذ فجر تاريخها، أي منذ الألف السادس ق. م فصاعدًا، حين تمايزت بين حضارات وديان أنهارها الكبرى حضارتان أصليتان توافر لهما أثر عميق على أغلب ما تعاقب بعدهما من حضارات، ونعني بهما حضارة مصر وحضارة العراق، اللتين بدأ فيهما الانقلاب الرئيسي الثاني في مجالات الحياة المادية للإنسان القديم، وهو بدء حرفة الزراعة "بعد معرفة سر إيقاد النار" كما بدأ فيهما التطور المعنوي الكبير الثاني لثقافات الشعوب القديمة وهو بدايات الكتابة "بعد معرفة بدايات الفنون". ثم ظهرت في الشرق الأدنى مع نضج ثقافات القديمة تشريعات وضعية متكاملة، وعقائد أخروية واعية، وبذور الوحدانية، وأسس العلوم، كما أشرقت فيه ديانات سماوية ساهم بعض أهله في نشرها وكانت ولا تزال هدى للعالمين القديم والحديث. وظلت آثار حضارات الشرق المادية والفنية أوفر عددا وأعظم ضخامة مما عداها من آثار بقية الحضارات القديمة. كما استمرت تطوراته أوسع وأوضح من تطوراتها حتى أواسط الألف الأول قبل ميلاد المسح، حين أدت ظروفه وظروفها إلى انتقال موازين القوى وزعامة الحضارة من بلاده إلى أمة الفرس في شرقه وإلى بلاد الإغريق ومن تلاهم في شماله الغربي، وإن لم يكن هذا قد حرم الشرق الأدنى من أن يظل رمزا باقيا للأصالة، برغم كل ما تعاقب عليه من نكبات وشدائد، كما لم يحرمه من النهوض بعد قرون طويلة عملاقًا قويًّا في ثوب حضاري جديد بعد ظهور الإسلام على أرضه وبين أهله.

وربطت بين مواطن العمران الأولى في الشرق الأدنى القديم عدة روابط طبيعية وجنسية وحيوية بقيت آثارها المحسوسة حتى الآن. ومعروف ما للعوامل المناخية والبيئية من تأثير في نفسيات الشعوب وملامحها ومعايشها وأخيلتها، لا سيما في عصورها التكوينية الأولى التي كان ارتباط الإنسان فيها ببيئته وخضوعه لإيحاءاتها أكبر مما هو عليه الآن بكثير، وظلت الظروف المناخية التي سادت العصور التاريخية

<<  <   >  >>