للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان عنده)، بترك القيام عليه بالخدمة والعلف والسقي وإرساله للرعي حتى صار كالشيء الهالك، (فأردت أن أشتريه فظننت) وفي نسخة: وظننت بالواو بدل الفاء: (أنّه يبيعه برخص فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال):

(لا تشتر) بحذف ضمير المفعول، ولأبي ذر، وابن عساكر: لا تشتره بإثباته، ولابن عساكر: لا تشتريه بإشباع كسرة الراء والياء، وظاهر النهي التحريم لكن الجمهور على أنه للتنزيه فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه فى زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه كراهة فيه. وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة.

وحكى الحافظ العراقي في شرح الترمذي كراهة شرائه من ثالث انتقل إليه من المتصدق به عليه عن بعضهم لرجوعه فيما تركه لله، كما حرم على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله تعالى، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى العلة في نهيه عن الابتياع بقوله:

(ولا تعد في صدقتك) أي لا تعد في صدقتك بطريق الابتياع ولا غيره فهو من عطف العام على الخاص (وإن أعطاكه بدرهم) متعلق بقوله: لا تشتره أي لا ترغب فيه البتة ولا تنظر إلى رخصه

ولكن انظر إلى أنه صدقتك، وقد أورد ابن المنير هنا سؤالاً وهو أن الاغياء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى. كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] ولا خفاء أن إعطاءه إياه بدرهم أقرب إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته وكلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحجة في الفصاحة.

وأجاب: بأن المراد لا تغلب الدنيا على الآخرة وإن وفرها معطيها فإذا زهد فيها وهي موفرة فلأن يزهد فيها وهي مقترة أحرى وأولى وهذا على وفق القاعدة اهـ.

(فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه) الفاء للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه. وفي رواية للشيخين كالكلب يعود في قيئه فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا للتهجين وتنفيرًا منه. قال في المصابيح: وفي ذلك دليل على المنع من الرجوع في الصدقة لما اشتمل عليه من التنفير التشديد من حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في الصدقة برجوع الكلب في قيئه اهـ.

وجزم بعضهم بالحرمة قال: لا نعلم القيء إلا حرامًا والصحيح أنه للتنزيه لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم إذ لا تكليف عليه فالمراد التنفير من العود بتشبيهه بهذا المستقذر.

٦٠ - باب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

(باب ما يذكر) من الحرمة (في الصدقة) مطلقًا الفرض والتطوّع (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهل تحريم الصدقة عليه من خصائصه دون الأنبياء أو الحكم شامل لهم أيضًا؟ ولأبي ذر زيادة: وآله أي تحرم عليهم الصدقة أيضًا لأنها مطهرة كما قال تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها} [التوبة: ١٠٣] ولمسلم: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وآل محمد منزهون عن أوساخ الناس وصيانة لمنصبه الشريف لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لقوله عليه الصلاة والسلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وأبدل بها الفيء الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه. وتعقب ابن المنير التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة عليهم ولا قائل به ولأن الواهب أيضًا له اليد العليا. وقد جاء في بعض الطرق: اليد العليا هي المعطية ولم يقل المتصدقة فتدخل الهبات، والأصح عند أصحابنا أن المحرم على الآل الفرض دون التطوّع لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرّم علينا الصدقة المفروضة. رواه الشافعي والبيهقي وهو الصحيح عند الحنابلة، وبه قال الحنفية وأصبغ عن ابن القاسم في العتبية.

١٤٩١ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-

قَالَ: "أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كِخٍ، كِخٍ، لِيَطْرَحَهَا. ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"؟

وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) الجمحي مولاهم (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه-، قال: أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تمرة من تمر الصدقة

<<  <  ج: ص:  >  >>