للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ياء مع الظهر وليست تثنيته حقيقية بل هو من المثناة لفظًا، ومعناها التكثير والمبالغة كما في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] أي نعمتاه عند من أول اليد بالنعمة ونعمه تعالى لا تحصى، وقوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] أي كرات كثيرة. وقال يونس بن حبيب: إنما هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى اهـ.

والأصل لببك فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الثالثة ياء كما قالوا من الظن تظنيت وأصله تظننت وهو منصوب على المصدر بعامل مضمر أي أجبت إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له، وكأنه من ألب بالمكان إذا أقام به والكاف للإِضافة. وقيل: ليس هنا إضافة والكاف حرف

خطاب ومعناه كما قال في القاموس أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد الباب وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها، أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب أي خالص اهـ.

وقال أبو نصر: معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع، وقال ابن عبد البر: ومعنى التلبية إجابة الله فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته فالمحرم بتلبيته مستجيب لدعاء الله إياه في إيجاب الحج عليه. قيل: هي إجابة لقوله تعالى للخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه {وأذن في الناس بالحج} [الحج: ٢٧] أي بدعوة الحج والأمر به.

١٥٤٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ".

وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولمسلم عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال:

(لبيك اللهم لبيك لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا. وروى ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له {وأذن في الناس بالحج} [الحج: ٢٧] قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ. قال: فنادى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض ألا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟ ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: فأجابوه بالتلبية من أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يومئذ زاد غيره فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن لبى أكثر حج بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظه لبيك ثلاث مرات وكذا في الموقوف، إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله: اللهم وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات: (لا شريك لك لبيك إن الحمد) بكسر الهمزة على الاستئناف كأنه لما قال لبيك استأنف كلامًا آخر فقال إن الحمد وبالفتح على التعليل كأنه قال: أجبتك لأن الحمد والنعمة لك والكسر أجود عند الجمهور، وحكاه الزمحشري عن أبي حنيفة، وابن قدامة عن أحمد بن حنبل، وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة فإن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح بدل على التعليل، لكن قال في اللامع والعدة إنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث انه استئناف جوابًا عن سؤال عن العلة على ما

قرر في البيان، حتى أن الإمام الرازي وأتباعه جعلوا أن تفيد التعليل نفسها ولكنه مردود (والنعمة لك) بكسر النون والإحسان والمنة مطلقًا وبالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك. وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر أن هو المحذوف (والملك)، لك بضم الميم والنصب عطفًا على اسم أن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر المتقدم، ويحتمل أن يكون تقديره: والملك كذلك (لا شريك لك) في ملكك. وروى النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>