للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبهذا يندفع ما قاله المهلب أن ما ذكر في الحديث من تحريمه عليه الصلاة والسلام لأنه لو كان من تحريم الله ما استبيح منه إذخر ولا غيره، ولا ريب أن كل تحريم وتحليل فإلى الله حقيقة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينطق عن الهوى، فلا فرق بين إضافة التحريم إلى الله وإضافته إلى رسوله لأنه المبلغ فالتحريم إلى الله حكمًا وإلى الرسول بلاغًا. والإذخر: بالنصب على الاستثناء ويجوز رفعه على البدل لكونه واقعًا بعد النفي، لكن المختار كما قاله ابن مالك النصب إما لكون الاستثناء متراخيًا

عن المستثنى منه فتفوت المشاكلة بالبدلية، وإما لكون المستثنى عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودًا أولاً.

(وعن خالد) هو عطف على قوله حدّثنا خالد داخل في الإسناد السابق (عن عكرمة) أنه (قال): لخالد (هل تدري ما) الشيء الذي ينفر صيد مكة؟ أي ما الغرض من قوله: (لا ينفر صيدها؟ هو) أي التنفير (أن ينحيه) المنفر (من الظل ينزل مكانه) بصيغة الغائب فيرجع الضمير للمنفر، والضمير في قوله مكانه للصيد، ولأبي الوقت: أن تنحيه من الظل تنزل بالخطاب، والجملة وقعت حالاً، والمراد بذلك التنبيه على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى فيحرم التعرض لكل صيد بريّ وحشي مأكول كبقر وحش ودجاجة وحمامة أو ما أحد أصليه برّي وحشي مأكول كمتولد بين حمار وحشي وحمار أهلي أو بين شاة وظبي، ويجب بإتلافه الجزاء لقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدًا} [المائدة: ٩٥] كما مرّ وللسبب حكم المباشرة في الضمان فمن نصب شبكة وهو محرم أو في الحرم ضمن ما وقع فيها وتلف ولو نصبها وهو حلال ثم أحرم فلا ضمان، وكذا يحرم التعرض إلى جزء البري المذكور كلبنه وشعره وريشه بقطع أو غيره فإنه أبلغ من التنفير المذكور وفارق الشعر ورق أشجار الحرم حيث لا يحرم التعرض له بأن جزه يضر الحيوان في الحر والبرد بخلاف الورق فإن حصل مع تعرضه للبن نقص في الصيد ضمنه، فقد سئل الشافعي عمن حلب عنزًا من الظبي وهو محرم: فقال: تقوم العنز باللبن وبلا لبن وينظر نقص ما بينهما فيتصدق به. وقد خرج بالبري البحري وهو ما لا يعيش إلا في البحر فلا يحرم التعرض له وإن كان البحر في الحرم وما يعيش في البر والبحر بري تغليبًا للحرمة وبالمأكول وما عطف عليه ما لا يؤكل وما لا يكون في أصله ما ذكر فمنه ما هو مؤذ فيستحب قتله للمحرم وغيره كنمر ونسر وبق وبرغوت، ولو ظهر على المحرم قمل لم تكره تنحيته ومنه ما ينفع ويضر كفهد وصقر وباز فلا يستحب قتله لنفعه وهو تعلمه الاصطياد، ولا يكره لضرره وهو عدوه على الناس والبهائم، ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان ورخمة وجعلان وخنافس فيكره قتله، ويحرم قتل وإنما السليماني والنحل والخطاف والهدهد والصرد وبالمتوحش الأنسي كنعم ودجاج أنسيين.

١٠ - باب لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ

وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا.

هذا (باب) بالتنوين (لا يحل القتال بمكة) أي فيها (وقال): ولأبي الوقت قال: (أبو شريح) خويلد السابق (-رضي الله عنه-) مما وصله قبل (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسفك بها) أي بمكة (دمًا).

١٨٣٤ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا

اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا. قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَاّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: قَالَ إِلَاّ الإِذْخِرَ".

وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي وهو أكبر من أخيه أبي بكر بن أبي شيبة بثلاث سنين قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: كذا رواه منصور بن المعتمر، موصولاً، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسلاً أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه، وأخرجه أيضًا عن سفيان عن داود بن سابور مرسلاً ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله (يوم افتتح مكة) سنة ثمان من الهجرة ويوم بالنصب ظرف لقال ومقول قوله.

(لا هجرة) واجبة من مكة إلى المدينة بعد الفتح لأنها صارت دار إسلام زاد في كتاب الجهاد والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة (ولكن) لكم (جهاد) في الكفار (ونية) صالحة في الخير تحصلون بهما الفضائل

<<  <  ج: ص:  >  >>