للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فرحب بسلمان (فصنع له (طعامًا) وقربه إليه ليأكل (فقال): سلمان لأبي الدرداء (كُل قال): أبو الدرداء (فإني صائم) وفي رواية الترمذي فقال: كُل فإني صائم، وعلى هذا فالقائل أبو الدرداء والمقول له سلمان (قال) سلمان لأبي الدرداء (ما أنا بآكل) من طعامك (حتى تأكل). أراد سلمان أن يصرف أبا الدرداء عن رأيه فيما يصنعه من جهد نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه زوجته (قال: فأكل)، أبو الدرداء معه.

فإن قلت: لم يذكر في هذا الحديث قسمًا من سلمان حتى تقع المطابقة بينه وبين الترجمة حيث قال من أقسم على أخيه؟ قلت أجاب ابن المنير بأنه إما لأنه في طريق آخر وإما لأن القسم في هذا السياق مقدر قبل لفظ ما أنا بآكل كما قدر في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: ٧١] وتعقبه في المصابيح بأنه يحتاج إلى إثبات الطريق الذي وقع فيه القسم والاحتمال ليس كافيًا في ذلك، وتقدير قسم هنا تقدير ما لا دليل عليه فلا يصار إليه انتهى.

وقد وقع في رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ المؤلّف كما أفاده في الفتح فقال: أقسمت عليك لتفطرن، وكذا رواه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى والدارقطني من طريق علي بن مسلم وغيره والطبراني من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة والعباس بن عبد العظيم، وابن حبان من طريق أبي خيثمة كلهم عن جعفر بن عون به، فكأن محمد بن بشار لم يذكر هذه الجملة لما حدث به المؤلّف وبلغ المؤلّف ذلك من غيره فاستعمل هذه الزيادة في الترجمة.

(فلما كان الليل) أي أوله (ذهب أبو الدرداء) حال كونه (يقوم) يعني يصلّي. وقد روى الطبراني هذا الحديث من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلاً فعين الليلة التي بات سلمان فيها عند

أبي الدرداء ولفظه كان أبو الدرداء يحيي ليلة الجمعة ويصوم يومها. (قال) سلمان له (نم فنام) أبو الدرداء (ثم ذهب يقوم، فقال) له سلمان: (نم فلما كان من آخر الليل) عند السحر (قال) له (سلمان. قم الآن) فقام أبو الدرداء وسلمان وتوضأ (فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا) زاد الترمذي وابن خزيمة وإن لضيفك عليك حقًا (فأعط كل ذي حق حقه). بقطع همزة فأعط وللدارقطني فصم وأفطر ونم وائت أهلك (فأتى) أبو الدرداء (النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قاله سلمان (له) عليه الصلاة والسلام (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(صدق سلمان) وللترمذي فأتيا بالتثنية وفيه: أنه لا يجب إتمام صوم التطوع إذا شرع فيه كصلاته واعتكافه لئلا يغير الشروع حكم المشروع فيه ولحديث الترمذي وصححه الحاكم: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ويقاس بالصوم الصلاة ونحوها، لكن يكره الخروج منه لظاهر قوله: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ٣٣] وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى إلا بعذر كمساعدة ضيف في أكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه فلا يكره الخروج منه، بل يستحب لحديث الباب مع زيادة الترمذي: وإن لضيفك عليك حقًا أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر من ذلك فالأفضل عدم خروجه منه ذكره في المجموع، وإذا خرج منه قال المتولي: لا يثاب على ما مضى لأن العبادة لم تتم، وحكي عن الشافعي أنه يثاب عليه وهو الوجه إن خرج منه بعذر ويستحب قضاؤه سواء خرج بعذر أو بغيره وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والجمهور، وقال المالكية: يجب البقاء في صوم النفل بالفطر إذا كان عمدًا حرامًا فلا قضاء على من أفطر ناسيًا ولا على من أفطر لعذر من مرض أو غيره، فلو شرع في صوم نفل وجب عليه إتمامه وحرم عليه الفطر من غير عذر ولو حلف عليه شخص بالطلاق الثلاث فإنه يحنثه ولا يفطر فإن أفطر وجب عليه القضاء إلا في كوالد وشيخ وإن لم يحلفا.

وفي حكايات أهل الطريق أن بعض الشيوخ حضر دعوة فعرض الطعام على تلميذه فقال: إني على نيّة وأبى أن يأكل فقال له الشيخ: كُلْ وأنا أضمن لك أجر سنة فأبى، فقال الشيخ: دعوه فإنه سقط من عين الله فنسأل الله العافية.

وقال الحنفية يلزمه القضاء مطلقًا أفسد عن قصد أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة لا خلاف بين

<<  <  ج: ص:  >  >>