للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال يحيى بن سعيد) الأنصاري (سمعت بشيرًا) بضم الموحدة وفتح المعجمة ابن يسار ضد اليمين الأنصاري المدني (قال: سمعت سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وهو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري -رضي الله عنه-:

(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع الثمر) الرطب (بالتمر) اليابس (ورخص في العرية) بتشديد التحتية (أن تباع بخرصها يأكلها أهلها) المشترون الذين صاروا ملاك الثمرة (رطبًا) بضم الراء وفتح الطاء وليس التقييد بالأكل قيدًا بل لبيان الواقع.

قال علي بن المديني: (وقال سفيان) بن عيينة (مرة أخرى إلا أنه رخص في العرية يبيعها أهلها) البائعون (بخرصها يأكلونها رطبًا) بضم الراء وفتح الطاء (وقال هو سواء) أي مساوٍ للقول الأول وإن اختلفا لفظًا لأنهما في المعنى واحد (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد المذكور (فقلت ليحيى) بن سعيد الأنصاري لما حدث به (وأنا غلام) جملة حالية والمراد الإشارة إلى قدم طلبه وأنه كان في زمن الصبا يناظر شيوخه ويباحثهم (إن أهل مكة يقولون: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهم في بيع العرايا) أي من غير قيد (فقال) يحيى (وما يُدري) بضم أوله (أهل مكة) نصب بيدري قال سفيان: (قلت إنهم) أي أهل مكة (يروونه) أي هذا الحديث (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (فسكت) يحيى.

(قال سفيان) بالإسناد المذكور (إنما أردت) أي إنما كان الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد أنهم يروونه عن جابر (أن جابرًا من أهل المدينة) فرجع الحديث إلى أهل المدينة ومحل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل مكة أن يحيى بن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالخرص وأن يأكلها أهلها رطبًا، وأما ابن عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشيء مما ذكر أنهم يروونه عن جابر وكان ليحيى أن يقول لسفيان: وأهل المدينة رووا فيه التقييد، فيحمل المطلق على المقيد والتقييد بالخرص زيادة حافظ فتعين المصير إليها، وأما التقييد بالأكل فالذي يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد.

قال ابن المديني: (قيل لسفيان) بن عيينة قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية القائل، (أليس فيه) أي في هذا الحديث (نهى عن بيع الثمر) بالمثلثة (حتى يبدو صلاحه. قال) سفيان: (لا) أي وإن كان هو صحيحًا من رواية غيره.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الشرب ومسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي والنسائي.

٨٤ - باب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا

وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ.

وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَاّ بِالْكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لَا يَكُونُ بِالْجِزَافِ. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ.

(باب تفسير العرايا) جمع عرية وهي لغة النخلة ووزنها فعيلة. قال الجمهور: بمعنى فاعلة لأنها عريت بإعراء مالكها أي إفراده لها من باقي النخل فهي عارية. وقال آخرون: بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا أتاه لأن مالكها يعروها أي يأتيها فهي معروّة وأصلها عريوة فقلبت الواو ياء وأدغمت فتسمية العقد بذلك على القولين مجاز عن أصل ما عقد عليه.

(وقال مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي مما وصله ابن عبد البرّ (العرية) بتشديد التحتية (أن يعري) بضم الياء من الإعراء أي يهب (الرجل الرجل نخلة) من نخلات بستانه فيملكها لأن عند الإمام مالك أن الهبة تلزم بنفس العقد أي يهبه ثمرها (ثم يتأذى) الواهب (بدخوله) أي بدخول الموهوب له (عليه) البستان لأجل الثمرة الموهوبة والتقاطها (فرخص) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (له) أي للواهب (أن يشتريها منه) أي يشتري رطبها من الموهوب له (بتمر) يابس، ولا يجوز لغيره ذلك. ومثله قول أبي حنيفة -رحمه الله- العرية أن يهبه نخلة ويشق عليه تردّد الموهوب له إلى بستانه ويكره أن يرجع في هبته وهذا بناء على مذهبه في أن الواهب الأجنبي يرجع في هبته متى شاء لكن يكره فيدفع إليه بدلها تمرًا ويكون هذا في معنى البيع لا أنه بيع حقيقة، وكِلا القولين بعيد عن لفظ الحديث لأن لفظ إرخاص العرية فيها عامّ وهما يقيدانها بصورة وأيضًا فقد صرّح بلفظ البيع فنفي كونه

<<  <  ج: ص:  >  >>