للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معترضة بين المستثنى منه والمستثنى مؤكدة مقررة لمعنى المعترض فيه وتفخيم شأن من يكلم في سبيل الله، ومعناه والله أعلم تعظيم شأن من يكلم في سبيل الله ونظيره قوله تعالى: {قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران: ٣٦] أي والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور، ويجوز أن يكون تتميمًا للصيانة عن الرياء والسمعة وتنبيهًا على الإخلاص في الغزو وأن الثواب المذكور إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا (إلا جاء يوم القيامة و) جرحه يثعب بالمثلثة والعين المهملة يجري دمًا (اللون لون الدم والريح ريح المسك). أي كريح المسك إذ ليس هو مسكًا حقيقة بخلاف اللون لون الدم فلا حاجة فيه لتقدير ذلك لأنه دم حقيقة فليس له من أحكام الدنيا والصفات فيها إلا اللون فقط، وظاهر قوله في رواية مسلم: كل كلم يكلمه المسلم أنه لا فرق في ذلك بين أن يستشهد أو تبرأ جراحته، لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا من فارق الدنيا وجرحه كذلك، ويؤيده ما رواه ابن حبان في حديث معاذ: عليه طابع الشهداء، والحكمة في بعثته كذلك أن يكون معه شاهد فضيلته ببذله نفسه في طاعة الله عز وجل، ولأصحاب السُّنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث معاذ بن جبل: من جرح جرحًا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك.

قال الحافظ ابن حجر: وعرف بهذه الزيادة أن الصفة المذكورة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح كذا قال فليتأمل.

وقال النووي: قالوا وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من جرح في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، وكذا قال ابن عبد البرّ واستشهد على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد". لكن قال الولي بن العراقي: قد يتوقف في دخول المقاتل دون ماله في هذا الفصل لإشارة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى اعتبار الإخلاص في ذلك بقوله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله والمقاتل دون ماله لا يقصد بذلك وجه الله وإنما يقصد صون ماله وحفظه فهو يفعل ذلك بداعية الطبع لا بداعية الشرع، ولا يلزم من كونه شهيدًا أن يكون دمه يوم القيامة كريح المسك وأيّ بذل بذل نفسه فيه لله حتى يستحق هذا الفضل.

وهذا الحديث أورده المؤلّف في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الطهارة وسبق البحث في وجه ذكره ثَمَّ.

١١ - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: ٥٢] وَالْحَرْبُ سِجَالٌ

(باب) ذكر (قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({قل هل تربصون بنا}) تنتظرون بنا ({إلا إحدى الحسنيين}) [التوبة: ٥٢] إلا إحدى العاقبتين اللتيَن كلٌّ منهما حسنى العواقب الفتح أو الشهادة وسقط قوله قل لغير أبي الوقت (والحرب سجال) بكسر السين المهملة وتخفيف الجيم أي تارة وتارة ففي غلبة المسلمين يكون لهم الفتح وفي غلبة المشركين يكون للمسلمين الشهادة.

٢٨٠٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ، فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ".

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة إلى جده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين من الأول مصغرًا ابن عتبة بن مسعود (أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان) زاد أبو ذر ابن حرب (أخبره أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف آخره لام ملك الروم الملقب بقيصر (قال له) أي لأبي سفيان (سألتك كيف كان قتالكم إياه) عليه الصلاة والسلام بفصل ثاني الضميرين قيل: هو أصوب من وصله ونص عليه الزمخشري (فزعمت أن الحرب سجال ودول)، بكسر الدال ولأبي ذر ودول بضمها قال القزاز: العرب تقول الأيام دول ودول ثلاث لغات فقيل بالضم الاسم وبالفتح المصدر، وفي بدء الوحي من طريق شعيب عن الزهري: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه،

<<  <  ج: ص:  >  >>