للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أقرّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذا فيؤخذ منه الجواز ثم تعقباه بأن ذلك كان قبل تحريم النوح فلا دلالة فيه فإن تحريمه كان في غزوة أُحُد، وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر وفي هذا نظر لا يخفى فإنها لم تقل اجتهدت عليه في النوح ولا يلزم من الاجتهاد في البكاء النوح وليس فيما نقلاه عن الخطابي ما يفهم ذلك، بل قوله أقرّها على هذا إشارة إلى البكاء المذكور في الحديث، ولا ريب أن البكاء على الميت قبل الدفن وبعده جائز اتفاقًا فليتأمل.

(قال) عليه الصلاة والسلام (يا أم حارثة، إنها جنان) أي درجات (في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى) فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارثة والضمير في قوله إنها مبهم يفسره ما بعده كقولهم: هي العرب تقول ما تشاء، ويجوز أن يكون الضمير للشأن، وجنان مبتدأ والتنكير فيه للتعظيم والمراد بذلك التفخيم والتعظيم.

(بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لأبي ذر.

١٥ - باب مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا

(باب) فضل (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا).

٢٨١٠ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم هو ابن مرة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (رضي الله عنه) أنه (قال: جاء رجل) هو لاحق بن ضميرة الباهلي كما عند أبي موسى المديني

في الصحابة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر) بين الناس ويشتهر بالشجاعة (والرجل يقاتل ليُرَى) بضم الياء وفتح الراء مبنيًّا للمفعول (مكانه) بالرفع نائب عن الفاعل أي مرتبته في الشجاعة، وفي رواية الأعمش عن أبي وائل الآتية إن شاء الله تعالى في التوحيد ويقاتل رياء، وزاد في رواية منصور عن أبي وائل السابقة في العلم والأعمش ويقاتل حمية وفي رواية منصور ويقاتل غضبًا فتحصل أن أسباب القتال خمسة طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية، والغضب (فمن في سبيل الله؟ قال) عليه الصلاة والسلام:

(من قاتل لتكون كلمة الله) أي كلمة التوحيد (هي العليا) بضم العين المهملة (فهو) المقاتل (في سبيل الله) عز وجل لا طالب الغنيمة والشهرة ولا مُظهِر الشجاعة ولا للحميّة ولا للغضب فلو أضاف إلى الأوّل غيره أخلّ بذلك. نعم لو حصل ضمنًا لا أصلاً ومقصودًا لا يخل وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي أمامة بإسناد جيد قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ قال: لا شيء له. فأعادها ثلاثًا كل ذلك يقول لا شيء له. ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه". وقال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه اهـ.

وفي جوابه عليه الصلاة والسلام بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز فهو من جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ما عداه في سبيل الله وليس كذلك فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حالة المقاتل فتضمن الجواب وزيادة، وقد يفسر القتال للحمية بدفع المضرّة والقتال غضبًا بجلب المنفعة والذي يرى منزلته أي في سبيل الله فتناول ذلك المدح والذمّ فلذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي قاله في فتح الباري.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والتوحيد، وسبق في العلم في باب: من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا.

١٦ - باب مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ -إِلَى قَوْلِهِ- إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: ١٢٠].

(باب) فضل (من اغبرت قدماه في سبيل الله) عند الاقتحام في المعارك لقتال الكفار وخص القدمين لكونهما العمدة في سائر الحركات. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على السابق ولأبي ذر: عز وجل: ({ما كان لأهل المدينة}) ظاهره خبر ومعناه نهي ({ومن حولهم من الأعراب}) سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ({أن يتخلفوا عن رسول الله}) إذا غزا (إلى قوله: {وإن الله لا

يضيع أجر المحسنين}) [التوبة: ١٢٠] ولغير أبي ذر: {ما كان لأهل المدينة} إلى قوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} ومناسبة الآية للترجمة كما قال ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>