للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه) أي طرفه الذي يضرب به (بين ثدييه) بفتح المثلثة تثنية ثدي (ثم تحامل) أي مال (على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل) أكثم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أشهد أنك رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام (وما ذاك)؟ (قال الرجل: الذي ذكرت آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون أي الآن (أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا) بضم الجيم (شديدًا، فاستعجل الموت فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه).

واستشكل القطع بكونه من أهل النار بمجرد عصيانه بقتل نفسه والمؤمن لا يكفر بالمعصية. وأجيب: باحتمال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم بالوحي أنه ليس مؤمنًا أو أنه سيرتد ويستحل قتل نفسه، وفي

حديث أكثم بن أبي الجون عند الطبراني فقلنا: يا رسول الله فلان يجزي في القتال؟ قال: "هو في النار". قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذاك إخبات النفاق".

(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة). قال النووي: فيه التحذير من الاغترار بالأعمال وإنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ولغيره أن لا يقنطه من رحمة الله تعالى.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أنهم شهدوا برجحانه في أمر الجهاد فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة فلما ظهر أنه لم يقاتل الله وإنما قاتل غضبًا علم أنه لا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا. نعم أطلقها السلف والخلف بناء على الظاهر، أما من استشهد معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كشهداء أُحُد وبدر ونحوهم فلا خفاء به ظاهر أو الظاهر أن من بعدهم كذلك، وقد أجع الفقهاء على أن شهيد المعركة لا يغسل وللفقيه إذا سئل عن مؤمن قتل كذلك أن يقول هو شهيد، والذي منعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطلقه الإنسان جزمًا على الغيب وهذا ممنوع حتى في زمانه عليه الصلاة والسلام إلاّ بوحي خاص. قاله ابن المنير.

وهذا الحديث أيضًا في المغازي ومسلم في الإيمان والقدر.

٧٨ - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ،

وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠]

(باب التحريض على الرمي) بالسهام. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على التحريض، ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى: ({وأعدّوا}) أيها المؤمنون ({لهم}) لناقضي العهد أو الكفار ({ما استطعتم من قوّة}) من كل ما يتقوى به في الحرب، وفي حديث مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعًا {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} "ألا أن القوة الرمي" قالها ثلاثًا. وخصّه عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه أقواه. قاله البيضاوي كالزمخشري، وتعقبه الطيبي بأن تفسير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القوة بالرمي يخالف ما ذكره ولأن ما في قوله تعالى: {ما استطعتم} موصوله والعائد محذوف ومن قوة بيان له فالمراد بها نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلى أن هذه العادة لا تستثبت بدون المعالجة والإدمان الطويل وليس شيء من عدة الحرب وأداتها أحوج إلى المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي بها ولذلك كرر عليه الصلاة والسلام تفسير القوة بالرمي ({ومن رباط الخيل}) أي التي تربط في سبيل الله تعالى فعال

بمعنى مفعول وعطفها على القوة من عطف الخاص على العام كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة ({ترهبون به}) تخوّفون به ({عدوّ الله وعدوّكم}) [الأنفال: ٦٠]. يعني كفار مكة.

٢٨٩٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ. قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ". [الحديث ٢٨٩٩ - طرفاه في: ٣٣٧٣، ٣٥٠٧].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة بعدها ألف ففوقية الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع) اسم الأكوع سنان بن

<<  <  ج: ص:  >  >>