للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متأخر رتبة والأصل خلافه (قال: كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء (-رضي الله عنهما- فقرأته أن) بفتح الهمزة وكسرها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أيامه) أي غزواته (التي لقي فيها) العدوّ أو الحرب واللفظ يحتملهما (انتظر) خبر أن (حتى مالت الشمس) أي زالت.

٢٩٦٦ - ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ،

فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".

(ثم قام في الناس) خطيبًا (قال):

(يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو)، لأن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر ويؤيده قوله (وسلوا الله العافية) أي من هذه المحذورات المتضمنة للقاء العدوّ ثم أمرنا بالصبر عند وقوع الحقيقة فقال (فإذا لقيتموهم فاصبروا) فإن النصر مع الصبر (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيء لما كان ملازمًا له، وكان ثواب الجهاد الجنة كان ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، ومثله: الجنة تحت أقدام الأمهات أو هو كناية عن الحض على مقاربة العدوّ واستعمال السيوف والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين. قال ابن الجوزي: إذا تدانى الخصمان صار كلٌّ منهما تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال.

(ثم قال) عليه الصلاة والسلام (اللهم) يا (منزل الكتاب) القرآن الموعود فيه بالنصر على الكفار قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} [التوبة: ١٤]. والمراد الجنس فيشمل سائر الكتب المنزلة على الأنبياء فيكون المراد شدة الطلب للنصر كنصره هذا الكتاب بخذلان من يكفر به ويجحد (و) يا (مجري السحاب) بقدرته إشارة إلى سرعة إجراء ما يقدره فإنه قدر جريان السحاب على أسرع حال وكأنه يسأل بذلك سرعة النصر والظفر (و) يا (هازم الأحزاب) وحده لا غيره (اهزمهم وانصرنا عليهم) فأنت المنفرد بالفعل من غير حول منّا ولا قوّة أو أن المراد التوسّل إليه بنعمه وأشار بالأولى إلى نعمة الدين بإنزال الكتاب وبالثانية إلى نعمة الدنيا وحياة النفوس بإجراء السحاب الذي جعله سببًا في نزول الغيث والأرزاق وبالثالثة إلى أنه حصل حفظ النعمتين فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخروية والدنيوية وحفظهما فأبقهما، وقد وقع هذا السجع اتفاقًا من غير قصد.

وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في باب: لا تمنوا لقاء العدو.

١١٣ - باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [النور: ٦٢] إِلَى آخِرِ الآيَةِ

(باب استئذان الرجل) من الرعية (الإمام) في الرجوع أو التخلف عن الرجوع في الغزو

(لقوله) زاد في رواية: عز وجل ({إنما المؤمنون}) الكاملون في الإيمان ({الذين آمنوا بالله ورسوله}) من صميم قلوبهم ({وإذا كانوا معه على أمرٍ جامع}) كتدبير أمر الجهاد والحرب ({لم يذهبوا}) عن حضرته ({حتى يستأذنوه}) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأذن لهم واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق ({إن الذين يستأذنونك}) [النور: ٦٢] (إلى آخر الآية). يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة. وأن الذاهب بغير إذنه ليس كذلك وفيه أن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين أن لا يرجعوا إلا بإذنه وكذلك إذا خرجوا للغزو لا ينبغي لأحد أن يرجع بغير إذنه ولا يخالف أمير السرية لا يقال لا يستأذن غيره عليه الصلاة والسلام إذ الحكم السابق من خصوصياته عليه الصلاة والسلام لأنه إذا كان ممن عيّنه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فإنه يحتاج إلى الاستئذان والاحتجاج بالآية للترجمة في تمام الآية، {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}. قال مقاتل: نزلت في عمر -رضي الله عنه- استأذن في الرجوع إلى أهله في غزوة تبوك فأذن له وقال: انطلق لست بمنافق يريد بذلك تسميع المنافقين، ولأبي ذر على أمر جامع الآية، ولأبي عساكر إلى قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم}.

٢٩٦٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ، فَتَلَاحَقَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلَا يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أعْيَا. قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَي الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، لَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ بهِ فَلَامَنِي. قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: فَهَلَاّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي -أَوِ اسْتُشْهِدَ- وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَىَّ" قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا.

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) بالجيم هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي (عن

<<  <  ج: ص:  >  >>