للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لما فيه من المشقّة والتعب ومعاناة الحر والبرد والخوف والسرى ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش (فإذا قضى أحدكم نهمته) بفتح النون أي بلغ همته من مطلوبه (فليعجل) بضم التحتية وكسر الجيم (إلى أهله). هذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. قال في معالم السُّنّة: فيه الترغيب في الإقامة لئلا تفوته الجمعات والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات وهذا في الأسفار غير الواجبة.

ألا تراه يقول عليه الصلاة والسلام (فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله) أشار إلى السفر الذي له نهمة وأرب من تجارة أو غيرها دون السفر الواجب كالحج والغزو.

١٣٧ - باب إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ

هذا (باب) بالتنوين (إذا حمل) رجل آخر (على فرس) ليجاهد عليها في سبيل الله (فرآها تباع) هل له أن يشتريها أم لا؟

٣٠٠٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: لَا تَبْتَعْهُ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ".

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب حمل على فرس) أي أركبه غيره في الجهاد (في سبيل الله) هبة لا وقفًا (فوجده) أي فوجد عمر الفرس (يباع) وكان اسمه الورد وكان لتميم الداري فأهداه لعمر -رضي الله عنه- (فأراد أن يبتاعه) أي يشتريه (فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هل يشتريه (فقال): بالفاء قبل القاف ولأبي ذر قال:

(لا تبتعه) أي لا تشتره (ولا تعد في صدقتك) سمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا.

٣٠٠٣ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَابْتَاعَهُ -أَوْ فَأَضَاعَهُ- الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم (قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: حملت على فرس) في الجهاد (في سبيل الله فابتاعه) أي باعه كما جاء اشترى بمعنى باع أو الأصل أباعه فهو بمعنى عرضه للبيع (أو فأضاعه الذي كان عنده) بأن فرط في القيام به، وأو للشك من الراوي (فأردت أن أشتريه وظننت أنه بائعه برخص) بضم الراء مصدر رخص السعر وأرخصه الله فهو رخيص (فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):

(لا تشتره) نهي تنزيه لا تحريم والصارف له عن التحريم تشبيهه بالعائد في قيئه (وإن) كان (بدرهم) مبالغة في رخصه (فإن العائد) الراجع (في هبته كالكلب) يقيء ثم (يعود في قيئه) فيأكله وهو دليل من منع الرجوع في الصدقة لما اشتمل عليه من التنفير الشديد حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في الصدقة برجوع الكلب في قيئه.

١٣٨ - باب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

(باب الجهاد بإذن الأبوين) المسلمين.

٣٠٠٤ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ -وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَىٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". [الحديث ٣٠٠٤ - طرفه في: ٥٩٧٢].

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الأسدي الكوفي (قال: سمعت أبا العباس) السائب بن فرّوخ المكي الأعمى (الشاعر وكان لا يتهم في حديثه) قال ذلك لئلا يظن أنه بسبب كونه شاعرًا يتهم (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي (-رضي الله عنهما- يقول: جاء رجل) هو جاهمة بن العباس بن مرداس كما عند النسائي وأحمد أو معاوية بن جاهمة كما عند البيهقي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستأذنه في الجهاد فقال) له عليه الصلاة والسلام:

(أحيٌّ والداك)؟ (قال: نعم). حيّان (قال): (ففيهما) أي الوالدين (فجاهد) الجار متعلق بالأمر قدّم للاختصاص والفاء الأولى جواب شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط أي إذا كان الأمر كما قلت فاخصصهما بالجهاد نحو قوله تعالى: {فإياي فاعبدون} [العنكبوت: ٥٦] أي إذا لم يتسهل لكم إخلاص العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك فحذف الشرط وعوّض منه تقدّم المفعول المفيد للإخلاص ضمنًا وقوله فجاهد جيء به للمشاكلة، وهذا ليس ظاهره مرادًا لأن ظاهر الجهاد إيصال الضرر للغير وإنما المراد القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى: ابذل مالك وأتعب بدنك في رضا والديك.

والمطابقة بين الحديث والترجمة مستنبطة من قوله ففيهما فجاهد لأن أمره

<<  <  ج: ص:  >  >>