للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عائشة -رضي الله عنها- أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلم جميع علم النساء لكان علم عائشة أفضل، ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه، وبرأها الله مما رماها به أهل الإفك، وأنزل الله عز وجل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين. وتوفيت سنة ثمان وخمسين من الهجرة في خلافة معاوية، وقد قاربت السبعين وذلك ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة (-رضي الله عنها-).

٣٧٦٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ. فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا اسم جده وأبو عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (إن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا):

(يا عائش) بفتح الشين في الفرع مصححًا عليه ويجوز ضمها ككل مرخم (هذا جبريل يقرئك السلام) أي سلم عليك. قالت (فقلت: عليه السلام) ولغير أبي ذر وعليه السلام (ورحمة الله وبركاته ترى) بتاء الخطاب (ما لا أرى) بفتح الهمزة (تريد) عائشة بذلك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).

قال في الفتح: وهذا من قول عائشة -رضي الله عنها- اهـ.

واستنبط منه استحباب بعث السلام وبعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم تخف مفسدة وأنه لو بلغه سلام أحد في ورقة من غائب لزمه الرد عليه باللفظ إذا قرأه.

٣٧٦٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: (ح) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (قال): المؤلّف بالسند السابق (ح).

(وحدّثنا عمرو) بفتح العين بن مرزوق الباهلي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بالميم المضمومة والراء المشددة وعمرو بفتح العين الهمداني الكوفي (عن مرة) وسقط عن مرة في الفرع سهوًا وثبت في الأصل (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(كمل) بفتح الكاف والميم ويجوز كسر الميم وضمها (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا مريم بنت عمران) أم عيسى عليه السلام (وآسية) بوزن فاعلة من الأسى وهي بنت مزاحم (امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عمه، وقيل غير ذلك. استدلّ به على نبوة مريم وآسية، لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الصديقون ثم الأولياء والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة. والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من النساء إلاّ مريم وآسية ولو قال: لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك لغيرهن إلا أن يكون المراد من الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم به الدليل على ذلك لأجل ذلك قاله في الفتح. واستشهد بعضهم لنبوة مريم بذكرها في سورة مريم مع الأنبياء وهو قرينة، وقد اختلف في نبوة نسوة غير مريم وآسية كحواء وسارة. قال السبكي: ولم يصح عندنا في ذلك شيء.

(وفضل عائشة) بنت أبي بكر (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم (على سائر الطعام) وهذا لا يلزم منه ثبوت الأفضلية المطلقة بل يخص بنحو نساء هذه الأمة كما مرّ. وأشار ابن حبان كما أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعًا بينه وبين حديث الحاكم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة.

وفي الصحيح لما جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "ألست تحبين ما أحب"؟ قالت: بلى. قال: "فأحبي هذه يعني عائشة". قال الشيخ تقي الدين السبكي:

<<  <  ج: ص:  >  >>