للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(رسول الله) بالرفع مفعول نائب عن الفاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوضوء) بفتح الواو أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به، وفي رواية ابن المبارك فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، وروى المهلب أنه كان مقدار وضوء رجل واحد (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الإناء يده وأمر) عليه الصلاة والسلام (الناس أن) أي بأن (يتوضؤوا) أي بالتوضؤ (منه) أي من ذلك الإناء. (قال) أنس رضي الله عنه: (فرأيت) أي أبصرت (الماء) حال كونه (ينبع) بتثليث الموحدة أي يخرج (من تحت) وفي رواية يفور من بين (أصابعه) فتوضؤوا (حتى توضؤوا من عند آخرهم) أي توضأ الناس ابتداء من أوّلهم حتى انتهوا إلى آخرهم، ولم يبق منهم أحد، والشخص الذي هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضي العموم والمبالغة لأن (عند) هنا تجعل لمطلق الظرفية حتى تكون بمعنى "في" كأنه قال: حتى توضأ الذين هم في آخرهم، وأنس داخل فيهم إذا قلنا يدخل المخاطب بكسر الطاء في عموم خطابه أمرًا أو نهيًا أو خبرًا، وهو مذهب الجمهور. وقال بعضهم: حتى حرف ابتداء يستأنف بعده جملة اسمية وفعلية فعلها ماضٍ نحو حتى عفوا وحتى توضؤوا ومضارع نحو: حتى يقول الرسول في قراءة نافع ومن للغاية لا للبيان خلافًا للكرماني لأنها لا تكون للبيان إلا إذا كان فيما قبلها إبهام ولا إبهام هنا.

وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في علامات النبوة، واستنبط من هذا الحديث استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارة والرد على من أنكر المعجزة من الملاحدة واغترف المتوضئ من

الماء القليل وهو من الرباعيات، ورجاله ما بين تينسي ومدني وبصري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المصنف في علامات النبوة، ومسلم والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح، والنسائي في الطهارة والله تعالى أعلم.

٣٣ - باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَان

وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ. وَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهَذَا مَاءٌ. وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَىْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ.

هذا (باب) حكم (الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) هل هو طاهر أم لا؟ (وكان عطاء) هو

ابن أبي رباح فيما وصله محمد بن إسحاق الفاكهي فى أخبار مكة بسند صحيح (لا يرى به) أي

بالشعر (بأسًا) وفي رواية ابن عساكر لا يرى بأسًا (أن يتخذ منها) أي من الشعور، وفي رواية ابن

عساكر منه أي من الشعر (الخيوط والحبال) جمع خيط وحبل ويفرق بينهما بالرقة والغلظ. (و) باب

(سؤر الكلاب) بالهمزة أي بقية ما في الإناء بعد شربها (وممرها في المسجد) وفي رواية هنا زيادة

وأكلها أي حكم أكلها وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، وظاهر صنيع المؤلف القول بالطهارة.

(وقال) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) فيما رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه، ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح (إذا ولغ الكلب في إناء) فيه ماء بأن أدخل لسانه فيه فحركه فيه تحريكًا قليلاً أو كثيرًا، وفي رواية أبي ذر في الإناء أي والحال أنه (ليس له) أي لمريد الوضوء (وضوء) بفتح الواو ما يتوضأ به (غيره) أي غير ما ولغ الكلب فيه ويجوز في غير النصب والرفع (يتوضأ به) أي بالماء الباقي وهو جواب الشرط في إذا، وفي رواية أبي ذر حتى يتوضأ بها أي بالبقية وفي أخرى منه.

(وقال سفيان) الثوري (هذا) أي الحكم بالتوضؤ به (الفقه بعينه) أي المستفاد من القرآن (يقول الله تعالى) وفي رواية أبي الوقت لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦]. وفي رواية القابسي عن أبي زيد المروزي يقول الله "فإن لم تجدوا" وهو مخالف للتلاوة، والظاهر أن الثوري رواه بالمعنى، ولعله كان يرى جواز ذلك، وقد تتبعت كثيرًا من القراءات فلم أر أحدًا قرأ بها، ووجه الدلالة من الآية أن قوله تعالى: (ماء) نكرة في سياق النفي ولا تخص إلا بدليل، كما قال (وهذا) أي المذكور (ماء) وفي رواية الأصيلي: فهذا ماء وتنجيسه بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم، (وفي النفس منه شيء) لعدم ظهور دلالته أو لوجود معارض له من القرآن أو غيره، وحينئذ

(يتوضأ به) أي بالماء المذكور وفي رواية منه (ويتيمم) لأن الماء الذي يشك فيه لأجل اختلاف العلماء رضي الله عنهم كالعدم فيحتاط للعبادة.

١٧٠ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ. عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ -أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ- فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن غسان النهدي الحافظ الحجة العابد

<<  <  ج: ص:  >  >>