للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمنافق في أسفلها. وقال أبو هريرة فيما رواه ابن أبي حاتم: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فتوقد من فوقهم ومن تحتهم، ولعل ذلك لأجل أنه في أسفل السافلين من درجات الإنسانية، وكيف لا وقد ضم إلى الكفر السخرية بالإسلام وأهله والمنافق هو المظهر للإسلام المبطن للكفر فلذا كان عذابه أشد من الكفار وتسمية غيره بالمنافق كما في الحديث الصحيح (ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا) فللتغليظ.

({نفقًا}) يريد قوله تعالى في سورة الأنعام: ({إن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض} [الأنعام: ٣٥] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا أي: (سربًا).

٤٦٠٢ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ، قَالَ الأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: ١٤٥] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فَرَمَانِي بِالْحَصَا فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ، وَقَدْ عَرَفَ مَا قُلْتُ لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي وهو خال إبراهيم أنه (قال: كنا في حلقة عبد الله) أي ابن مسعود وحلقة بسكون اللام (فجاء حذيفة) بن اليمان (حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم). أي ابتلوا به والخيرية باعتبار أنهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة التابعين لكن الله تعالى ابتلاهم فارتدوا أو نافقوا فذهبت الخيرية منهم (قال الأسود) بن يزيد متعجبًا من كلام حذيفة: (سبحان الله إن الله) تعالى (يقول: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} فتبسم عبد الله) بن مسعود متعجبًا من كلام حذيفة وبما قام به من قول الحق وما حذر منه (وجلس حذيفة) بن اليمان (في ناحية المسجد فقام عبد الله) بن مسعود (فتفرق أصحابه) قال الأسود: (فرماني) أي حذيفة بن اليمان (بالحصى) أي ليستدعيني (فأتيته فقال حذيفة: عجبت من ضحكة) أي ضحك عبد الله بن مسعود مقتصرًا عليه أي على الضحك (وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرًا منكم ثم تابوا)، أي رجعوا عن النفاق (فتاب الله عليهم) واستدلّ به كقوله: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} [النساء:١٤٦] على صحة توبة الزنديق وقبولها كما عليه الجمهور.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير.

٢٥ - باب قَوْلِهِ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء: ١٦٣]

هذا (باب) بالتنوين (قوله) عز وجل ({إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح}) إلى قوله: ({ويونس وهارون وسليمان}) [النساء: ١٦٣] وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله كما أوحينا إلى نوح لغير أبوي ذر والوقت والكاف في كما أوحينا نصب بمصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا أو على أنه حال من ذلك المصدر المحذوف وما تحتمل المصدرية فلا تفتقر إلى عائد على الصحيح والموصولية فيكون العائد محذوفًا.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه ابن إسحاق أن سكينًا وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى فأنزل الله تعالى في ذلك {إنا أوحينا إليك}.

وعن محمد بن كعب القرظي أنزل الله {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء} إلى قوله: {بهتانًا عظيمًا} [النساء: ١٥٣ - ١٥٦] فلما تلاها عليهم يعني اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله تعالى وقالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} فقال: ولا على أحد فأنزل الله {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: ٩١] إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء.

قال ابن كثير وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب نظر فإن هذه الآية مكية في سورة الأنعام وهذه الآية التي في النساء مدنية وهي ردّ عليهم لما سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينزل عليهم كتابًا من السماء قال الله تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم ثم ذكر أنه أوحى إلى عبده كما أوحى إلى غيره من النبيين فقال مخاطبًا حبيبه وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للموحي والموحى إليه {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} أي لك أسوة بالأنبياء السالفة فتأس بهم {وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} لأن شأن وحيك كشأن وحيهم، وبدأ بنوح لأنه أوّل نبي قاسى الشدة من الأمة وعطف عليه النبين من بعده وخص منهم إبراهيم إلى داود عليه السلام تشريفًا لهم وترك ذكر موسى ليبرزه مع ذكرهم بقوله: {وكلم الله موسى تكليمًا} على نمط

<<  <  ج: ص:  >  >>