للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصحابه إذ كانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إليها لإرادتهم موافقة عليه الصلاة والسلام أي ما يمنعني من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي، ولولاه لوافقتكم، وإنما كان الهدي علة لانتفاء الإحرام بالعمرة لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحره ولا ينحره إلا يوم النحر، والمتمتع يتحلل من عمرته قبله فيتنافيان. (فأهلَّ بعضهم بعمرة وأهلَّ بعضهم بحج) قالت عائشة: (وكنت أنا ممن

أهل بعمرة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت) ذلك (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دعي عمرتك) أي أفعالها وارفضيها (وانقضي رأسك) أي شعرها (وامتشطي وأهلّي بحج) أي مع عمرتك أو مكانها (ففعلت) ذلك كله (حتى إذا كان ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد وليلة بالرفع على أن كان تامة أي وجدت وبالنصب على أنها ناقصة واسمها الوقت (أرسل) عليه الصلاة والسلام (معي أخي عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهم (فخرجت) معه (إلى التنعيم فأهللت بعمرة) منه (مكان عمرتي) التي تركتها. لا يقال ليس في الحديث دلالة على الترجمة لأن أمرها بنقض الشعر كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها لأنا نقول: إن نقض شعرها إن كان لغسل الإحرام وهو سُنّة فلغسل الحيض أولى لأنه فرض، وقد كان ابن عمر يقول بوجوبه، وبه قال الحسن وطاوس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد لكن رجح جماعة من أصحابه الاستحباب فيهما، واستدل الجمهور على عدم وجوب النقض بحديث أم سلمة: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: "لا". رواه مسلم، وقد حملوا حديث عائشة على الاستحباب جمعًا بين الروايتين. نعم إن لم يصل الماء إلا بالنقض وجب. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة.

(قال هشام) أي ابن عروة (ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة). استشكل النووي نفي الثلاثة بأن القارن والمتمتع عليه الدم، وأجابب القاضي عياض بأنها لم تكن قارنة ولا متمتعة لأنها أحرمت بالحج ثم نوت فسخه في عمرة، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها لتعذّر أفعال العمرة وكانت ترفضها بالوقوف فأمرها بتعجيل الرفض، فلما أكملت الحج اعتمرت عمرة مبتدأة وعورض بقولها: وكنت أنا ممن أهل بعمرة، وقولها ولم أهلَّ إلا بعمرة. وأجيب: بأن هشامًا لما لم يبلغه ذلك أخبر بنفيه ولا يلزم منه نفيه فى نفس الأمر، بل روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام أهدى عن عائشة بقرة فافهم.

١٧ - باب مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ

(باب مخلقة وغير مخلقة) أي مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسوّاة أو تامّة أو ساقطة أو مصوّرة وغير مصوّرة، وللأصيلي قول الله عز وجل: {مُخَلَّقَةٍ} [الحج: ٥] قال ابن المنير: أدخل المؤلف هذه الترجمة في أبواب الحيض لينبّه بها على أن دم الحامل ليس بحيض، لأن الحمل إن تم فإن الرحم مشغول به، وما ينفصل عنه من دم إنما هو رشح غذائه أو فضلته أو نحو ذلك فليس بحيض، وإن لم يتم وكانت المضغة غير مخلقة مجها الرحم مضعة مائعة حكمها حكم الولد، فكيف يكون حكم الولد حيضًا؟ انتهى.

وهذا مذهب الكوفيين وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل والأوزاعي والثوري، وذهب الإمام الشافعي في الجديد إلى أنها تحيض، وعن مالك روايتان، وما ادّعاه ابن المنير كغيره من أنه

رشح غذاء الولد الخ يحتاج إلى دليل، وأما ما ورد في ذلك من خبر أو أثر نحو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله رفع الحيض وجعل الدم رزقًا للولد مما تغيض الأرحام. رواه ابن شاهين، وقول ابن عباس مما رواه ابن شاهين أيضًا فقال الحافظ ابن حجر: لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض في زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض لتحقيق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.

٣١٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ، وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ».

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد) هو ابن زيد البصري (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(إن الله عز وجل وكّل) بالتشديد. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>