للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة رضي الله عنه فإنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):

(لا يلدغ المؤمن) بالدال المهملة والغين المعجمة على صيغة المجهول وهو ما يكون من ذوات السموم وأما الذي بالذال المعجمة والعين المهملة فما يكون من النار والمؤمن مرفوع بيلدغ (من جحر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (واحد مرتين). وقوله: يلدغ بالرفع على صيغة الخبر ومعناه الأمر أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد

يكون ذلك في أمر الذين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وروي بكسر الغين بلفظ النهي فيتحقق فيه معنى النهي على هذه الرواية قاله الخطابي. قال السفاقسي بعد ذكره له: وكذا قرأناه انتهى أي: لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه، لكن قال التوربشتي: أرى أن الحديث لم يبلغ الخطابي على ما كان عليه وهو مشهور عند أهل السير وذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منّ على أبي عزة الشاعر الجمحي وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغ مأمنه عاد إلى ما كان فأسر مرة أخرى فأمر بضرب عنقه وكلمه بعض الناس في المنّ عليه فقال: (لا يلدغ المؤمن) الحديث.

ونقل النووي عن القاضي عياض هذه القصة وقال: سبب هذا الحديث معروف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد فسأله المنّ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يلدغ المؤمن" الحديث: وهذا السبب يضعف الوجه الثاني.

وأجاب في شرح المشكاة بأنه يوجه بأن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى من نفسه الزكية الكريمة الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنًا كاملاً حازمًا ذا شهامة ونهاه عن ذلك يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دين الله أن ينخدع من مثل هذا الغادر المتمرد مرة بعد أخرى، فانته عن حديث الحلم وامض لشأنك في الانتقام منه والانتصار من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى الحلم والعفو ومن أوصافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها، وقد ظهر من هذا أن الحلم مطلقًا غير محمود كما أن الحرد كذلك فمقام التحلم مع المؤمنين مندوب إليه مع الأولياء والغلظة مع الأعداء. قال تعالى في وصف الصحابة {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: ٢٩] فظهر من هذا أن القول بالنهي أولى والمقام له أدعى، وسلوك ما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي -رحمه الله- أوضح وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى، وهذا الكلام منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأول ما قاله لأبي عزة المذكور، وأما قول السفاقسي وهذا مثل قديم تمثل به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يتمثل بالأمثال القديمة، وأصل ذلك أن رجلاً أدخل يده في جحر لصيد أو غيره فلدغته حيّة في يده فضربته العرب مثلاً فقالوا: لا يدخل الرجل يده في جحر فيلدغ منه مرة ثانية، فتعقبه في المصابيح بأنه إذا كان المثل العربي على الصورة التي حكاها فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تمثل به. نعم أورد كلامًا بمعناه، وانظر فرق ما بين كلامه عليه الصلاة والسلام وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوة البلاغة على لفظه عليه الصلاة والسلام وحلاوة العبارة فيه بادية يدركها ذو الذوق السليم عليه أفضل صلاة الله وأزكى التسنيم.

[تنبيه:]

قال شيخنا في الأحاديث المشتهرة، وسبقه إلى الإشارة لنحوه شيخه في فتح الباري: حديث لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة والعسكري كلهم من

حديث عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مرفوعًا، لكن ليس عند ابن ماجة والعسكري واحد، وهو عند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب الزهري عن عمه به مثله، وتابعهما سعيد بن عبد العزيز أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار فقال هشام للزهري: لا تعد لمثلها. فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>