للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إليّ من كذا وكذا) في الرواية الأخرى من حمر النعم (قال) ابن عمر قلت يا أبتاه (ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت) ذلك لذلك. قال في الفتح: وكأن البخاري أشار بإيراد هذا الحديث هنا إلى أن تقديم الكبير حيث يقع التساوي أما لو كان عند الصغير ما ليس عند الكبير فلا يمنع من الكلام بحضرة الكبير لأن عمر تأسف حيث لم يتكلم ولده مع أنه اعتذر له بكونه بحضوره وحضور أبي بكر ومع ذلك تأسف على كونه لم يتكلم اهـ.

والحاصل أن الصغير إذا تخصص بعلم جاز له أن يتقدم به ولا يعدّ ذلك سوء أدب ولا تنقيصًا لحق الكبير، ولذا قال عمر: لو كنت قلتها كان أحب إليّ.

وهذا الحديث قد سبق في مواضع.

٩٠ - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِى كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ} [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٧]. قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.

(باب ما يجوز) أن ينشد (من الشعر) وهو الكلام المقفى الموزون قصدًا والتقييد بالقصد مخرج ما وقع موزونًا اتفاقًا فلا يسمر شعرًا (و) ما يجوز من (الرجز) بفتح الراء والجيم بعدها زاي وهو نوع من الشعر عند الأكثر فعلى هذا يكون عطفه على الشعر من عطف الخاص على العام واحتج

القائل بأنه ليس بشعر بأنه يقال فيه راجز لا شاعر وسمي رجزًا لتقارب أجزائه واضطراب اللسان به يقال: رجز البعير إذا تقارب خطوه واضطراب لضعف فيه (و) ما يجوز من (الحداء) بضم الحاء وتخفيف الدال المفتوحة المهملتين يمد ويقصر سوق الإبل بضرب مخصوص والغناء ويكون بالرجز ْغالبًا، وأول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر فضربه مضر على يده فأوجعه فقال: يا يداه يا يداه، وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل لما سمعته في السير فكان ذلك مبدأ الحداء رواه ابن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلاً، وأورده البزار موصولاً عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض ويلحق به غناء الحجيج المشوق للحج بذكر الكعبة البيت الحرام وغيرها من المشاعر العظام وما يحرض أهل الجهاد على القتال ومنه غناء المرأة لتسكيت الولد في المهد (و) بيان (ما يكره) إنشاده (منه) من الشعر والجائز من الشعر ما لم يكثر منه في المسجد وخلا عن الهجو وعن الإغراق في المدح والكذب المحض فالتغزل بمعين لا يسوغ.

(وقوله تعالى) بالجر عطفًا على السابق ({والشعراء}) مبتدأ خبره ({يتبعهم الغاوون}) أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح من لا يستحق المدح والهجاء ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون، وسمى الثعلبي من شعراء المشركين: عبد الله بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عمرو، وأمية بن أبي الصلت. قال: الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون ({ألم تر}) ولأبي ذر وقوله ألم تر ({أنهم في كل واد}) من الكلام ({يهيمون}) خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون، كما يأتي قريبًا عن ابن عباس إن شاء الله تعالى، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم، وعن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:

فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام

فقال: قد وجب عليك الحدّ فقال: قد درأ الله الحدّ عني بقوله: ({وأنهم يقولون ما لا يفعلون}) حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله ({إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}) كعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وكعب بن مالك ({وذكروا الله كثيرًا}) يعني كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا شعرًا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب، ومدح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب ({وانتصروا}) وهجوا ({من بعد ما ظلموا}) هجوا

<<  <  ج: ص:  >  >>