للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحدث إلى الدهر والزمان وأشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، وهذا مذهب الدهرية من الكفار والدهرية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، ويزعمون أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا العقول وكذبوا المنقول ووافقهم مشركو العرب، وإليه ذهب آخرون ولكنهم معترفون ْبوجود الصانع الإله الحق جل وعز، ولكنهم كانوا ينزهون أن تنسب إليه المكاره ويضيفونها إلى الدهر فكانوا كذلك يسبون الدهر، وفي تفسير سورة الجاثية قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب

الدهر (وأنا الدهر) أي خالقه أو المدبر للأمور أو مقلب الدهر ولذلك عقبه بقوله (بيدي الليل والنهار). وعند أحمد من وجه آخر بسند صحيح عن أبي هريرة: "لا تسبوا الدهر فإن الله تعالى، قال: أنا الدهر الأيام والليالي إليّ أجدّدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" فإذا سب ابن آدم الدهر على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى الله لأنه هو الفاعل والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه الأمور فالمعنى أنا مصرف الدهر فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى.

والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: يسب بنو آدم الدهر لأن المعنى في الحقيقة يرجع إلى لا تسبوا الدهر وصرح بذلك في مسلم، والحديث أخرجه مسلم أيضًا.

٦١٨٢ - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ». [الحديث ٦١٨٢ - طرفه في: ٦١٨٣].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عياش بن الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(لا تسموا العنب الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء لأنه يتخذ منه الخمر فكره تسميته به لأن فيها تقريرًا لما كانوا يتوهمونه من تكريم شاربها (ولا تقولوا خيبة الدهر) بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة نصب على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعًا عليه أو متوجعًا منه أو هو دعاء عليه بالخيبة. وعند مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وادهراه وادهراه والخيبة الحرمان والخسران وقد خاب يخيب وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل (فإن الله هو الدهر) أي الفاعل لما يحدث فيه. قال في بهجة النفوس: لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث وذلك أغلب ما يقع من الناس فلا شيء في ذلك اهـ.

وقال جماعة من المحققين: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق. وقال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا.

١٠٢ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»

وَقَدْ قَالَ: «إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِى يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ

عِنْدَ الْغَضَبِ» كَقَوْلِهِ: «لَا مُلْكَ إِلَاّ لِلَّهِ فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ: «{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}» [النمل: ٣٤].

(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث الباب عن أبي هريرة (إنما الكرم قلب المؤمن) يقال رجل كرم وامرأة كرم ورجلان كرم ونسوة كرم كله بفتح الراء وإسكانها بمعنى كريم وصف بالمصدر كعدل وضيف وليس الحصر في قوله إنما الكرم على ظاهره وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن ولم يرد أن غيره لا يسمى كرمًا (وقد قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة) رواه الترمذي لكن بلفظ أتدرون من المفلس قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار. وليس المراد أن من يفلس في الدنيا لا يسمى مفلسًا وذلك (كقوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة السابق (إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب) و (كقوله لا ملك)

<<  <  ج: ص:  >  >>