للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية) قال الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: ٣٨] أي من الكفر والمعاصي، وبه استدلّ أبو حنيفة على أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة (ومن أساء في الإسلام) بأن ارتدّ عن الإسلام ومات على كفره (أخذ بالأول) الذي عمله في الجاهلية (والآخر) بكسر الخاء الذي عمله من الكفر فكأنه لم يسلم فيعاقب على جميع ما أسلفه، ولذا أورد المؤلّف هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأوردهما في أبواب المرتدّين، ونقل ابن بطال عن جماعة من العلماء أن الإساءة هنا لا تكون إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الإسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام.

والحديث سبق في الإيمان.

٢ - باب حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِىُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

{كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا

لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: ٨٦ - ٩٠]

وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: ١٠٠]

وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: ١٣٧]

وَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤]

{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ} [النحل الآيات: ١٠٦ - ١٠٩] يَقُولُ حَقًّا: {أَنَّهُمْ فِى الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ. . . مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}

{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢١٧].

(باب حكم) الرجل (المرتد و) حكم المرأة (المرتدّة) هل هما سواء؟

(وقال ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- فيما أخرجه ابن أبي شيبة (والزهري) محمد بن مسلم فيما أخرجه عبد الرزاق (وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه عبد الرزاق أيضًا (تقتل) المرأة (المرتدة) إن لم تتب وعن ابن عباس فيما رواه أبو حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عنه لا تقتل النساء إذا هنّ ارتددن أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني وخالفه جماعة من الحفاظ في لفظ المتن، وأخرج الدارقطني من طرق عن ابن المنكدر عن جابر أن امرأة ارتدّت فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها قال في الفتح وهو يعكر على ما نقله ابن الطلاع في الأحكام أنه لم ينقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قتل مرتدّة (واستتابتهم) كذا ذكره بعد الآثار المذكورة وقدم ذلك في رواية أبي ذر على ذكر الآثار وللقابسي واستتابتهما بالتثنية وهو أوجه ووجه الجمع قال في فتح الباري: على إرادة الجنس، وتعقبه العيني فقال: ليس بشيء بل هو على قول من يرى إطلاق الجمع على التثنية.

(وقال الله تعالى) في سورة آل عمران ({كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم}) استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد، وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ والآية نزلت في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتدّ ثم ندم فأرسل إلى قومه فقالوا يا رسول الله هل له من توبة فنزلت ({كيف يهدي الله قومًا}) إلى قوله: ({إلا الذين تابوا}) فأسلم رواه النسائي وصححه ابن حبان والواو في قوله تعالى:

({وشهدوا أن الرسول حق}) للحال وقد مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمدًا حق أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا ({وجاءهم البينات}) أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات ({والله لا يهدي القوم الظالمين}) ما داموا مختارين الكفر أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا على الكفر ({أولئك}) مبتدأ ({جزاؤهم}) مبتدأ ثان خبره ({أن عليهم لعنة الله}) وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل اشتمال من أولئك ({والملائكة والناس أجمعين خالدين}) حال من الهاء والميم في عليهم ({فيها}) في اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما وهو يدل بمنطوقة على جواز لعنهم وبمفهومه ينفي جواز لعن غيرهم ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون من الهدى مأيوسون من الرحمة بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضًا يلعن منكر الحق والمرتدّ عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه قاله القاضي: ({لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك}) الارتداد ({وأصلحوا}) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ({فإن الله غفور}) لكفرهم ({رحيم}) بهم ({إن الذين كفروا}) بعيسى والإنجيل ({بعد إيمانهم}) بموسى والتوراة ({ثم ازدادوا كفرًا}) بمحمد والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرًا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزلت في الذين ارتدّوا ولحقوا بمكة وازديادهم

<<  <  ج: ص:  >  >>