للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت فلما تبين أنها لم تمت فهي باقية على ملك المغصوب منه لأنه لم يجر بينهما عقد صحيح فوجب أن تردّ إلى صاحبها. قال: وفرقوا بين الثمن والقيمة بأن الثمن في مقابلة الشيء القائم والقيمة في مقابلة الشيء المستهلك، وكذا في البيع الفاسد والفرق بين الغصب والبيع الفاسد أن البائع رضي بأخذ الثمن عوضًا عن سلعته وأذن للمشتري بالتصرف فيها فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت، والغاصب لم يأذن له المالك فلا يحل أن يتملكه الغاصب إلا إن رضي المغصوب منه بقيمته. والحديث من إفراده.

[١٠ - باب]

هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من السابق، وسقط لفظ باب للنسفي والإسماعيلي.

٦٩٦٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِىَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري أخو سليمان بن كثير (عن سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة) واسم أن زينب أبو سلمة بن عبد الأسد (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(إنما أنا بشر) يطلق على الواحد كما هنا وعلى الجمع قوله تعالى: {نذيرًا للبشر} [المدثر: ٣٦] وليست إنما هنا للحصر التام بل لحصر بعض الصفات في الموقوف فهو حصر في البشرية بالنسبة إلى الاطّلاع على البواطن ويسمى هذا عند أهل البيان قصر قلب لأنه أتى به ردًّا على من يزعم أن من كان رسولاً يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كالبشر في بعض الصفات الخلقية وإن زاد عليهم بما أكرمه الله به من الكرامات من الوحي والإطلاع على المغيبات في أماكن وأنه يجوز عليه في الأحكام ما يجوز عليهم وإنه إنما يحكم بينهم بالظواهر فيحكم بالبيّنة واليمين وغيرهما مع جواز كون الباطن على خلاف ذلك، ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين من غير احتياج إلى حجة من المحكوم له من بيّنة أو يمين لكن لما كانت أمته مأمورين باتّباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله جعل له من الحكم في أقضيته ما يكون حكمًا لهم في أقضيتهم لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك توطئة لما يأتي بعد لأنه معلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر (وأنكم تختصمون) زاد أبو ذر عن الكشميهني إليّ فلا أعلم

بواطن أموركم كما هو مقتضى الحالة البشرية وإنما أحكم بالظاهر (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته) بالحاء المهملة أفعل تفضيل من لحن بكسر الحاء إذا فطن لحجته أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة (من بعض) وهو كاذب (وأقضى) عطف على المنصوب السابق بالواو ولأبي ذر فأقضى (له) بسبب بلاغته (على نحو ما) أي الذي (أسمع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مما أسمع (فمن قضيت له من حق أخيه) وفي رواية بحق أخيه المسلم ولا مفهوم له لأنه خرج مخرج الغالب وإلا فالذمي والمعاهد كذلك وسقط لفظ حق لأبي ذر فيصير فمن قضيت له من أخيه (شيئًا) بظاهر يخالف الباطن فهو حرام (فلا يأخذ) بإسقاط الضمير المنصوب أي فلا يأخذ ما قضيت له. ولأبي ذر عن الكشميهني: فلا يأخذه (فإنما أقطع له قطعة) بكسر القاف طائفة (من النار) إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه وهذا من المبالغة في التشبيه جعل ما يتناوله المحكوم له بحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في الباطن باطل قطعة من النار، وقال في العدة: أطلق عليه ذلك لأنه سبب في حصول النار له فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: ١٠] وحاصله أنه أخذ ما يؤول به إلى قطعة من النار فوضع المسبب وهو قطعة من النار موضع السبب وهو ما حكم له به.

وفي الحديث أن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله ولا يحرمه فلو شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما وإن شهدا على أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم كذبهما أن يتزوجها، فإن قيل: هذا الحديث ظاهره أنه يقع

<<  <  ج: ص:  >  >>