للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجل بخيل إلى أن قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما تقول يا أبا سفيان"؟ قال: أما يابسًا فلا وأما رطبًا فأحله، قال في الفتح: والظاهر أن المؤلّف لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدلّ بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على الغائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غير حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا التعبير بقوله: خذي يرجح أنه كان قضاء لا فتيا لكن تفويض تقدير الاستحقاق إليها في قوله: ما يكفيك يرجح أنه كان فتوى ولو كان قضاء لم يفوّضه إلى المدعي، وقد أجاز مالك والشافعي وجماعة الحكم على الغائب، وقال أبو حنيفة: لا يقضي عليه مطلقًا.

والحديث سبق قريبًا.

٢٩ - باب مَنْ قُضِىَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالاً

(باب من قضي له) بضم القاف وكسر المعجمة (بحق أخيه) أي خصمه مسلمًا كان أو ذميًّا أو معاهدًا أو مرتدًّا فالأخوة باعتبار البشرية (فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً).

٧١٨١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِى لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا».

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة) هند (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سمع خصومة بباب حجرته) منزل أم سلمة، وعند أبي داود من طريق عبد الله بن رافع عن أم سلمة أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلان يختصمان في مواريث لهما لم يكن لهما بيّنة إلا دعواهما. وفي رواية له قال: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست وعند عبد الرزاق في مصنفه أنها كانت في أرض هلك أهلها وذهب من يعلمها ولم يسم المختصمين (فخرج إليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال):

(إنما أنا بشر) أي إنسان وسمي به لظهور بشرته دون ما عداه من الحيوان أي إنما أنا بشر مشارك لكم في البشرية بالنسبة لعلم الغيب الذي لم يطلعني الله عليه وقال ذلك توطئة لقوله (وإنه يأتيني الخصم) فلا أعلم باطن أمره (فلعل) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولعل (بعضكم أن يكون أبلغ) أفصح في كلامه وأقدر على إظهار حجته (من بعض فأحسب) بكسر السين وتفتح (أنه صادق) وهو في الباطن كاذب (فأقضي) فأحكم (له بذلك) الذي ادّعاه لظني صدقه (فمن قضيت له بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكر المسلم تنبيهًا على أنه في حقه أشد (فإنما هي) أي الحكومة أو الحالة (قطعة من النار) تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه (فليأخذها أو ليتركها) أمر تهديد لا تخيير فهو كقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: ٢٩] كذا قرره النووي وغيره. وتعقب بأنه إن أريد به أن كلاًّ من الصيغتين للتهديد فممنوع فإن قوله: أو ليتركها

للوجوب في كلام طويل سبق في كتاب المظالم فليراجع، فحكم الحاكم ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو قضى بشيء رتب على أصل كاذب بأن كان باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره نفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنًا سواء المال والنكاح وغيرهما. أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنًا أيضًا قطعًا إن كان في محل اتفاق المجتهدين، وعلى الأصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم وإن كان الحكم لمن لا يعتقده لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار أو بالإرث بالرحم حل له الأخذ به وليس للقاضي منعه من الأخذ بذلك ولا من الدعوى به إذا أرادها اعتبارًا بعقيدة الحاكم ولأن ذلك مجتهد فيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره، ولهذا أجاز للشافعي أن يشهد بذلك عند من يرى جوازه وإن كان خلاف اعتقاده، ولو حكم القاضي بشيء وأقام المحكوم عليه بيّنة تنافي دعوى المحكوم له سمعت وبطل الحكم. وفي الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>