للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إما محسنًا فلعله يزداد) خيرًا (وإما مسيئًا فلعله يستعتب) بنصب محسنًا ومسيئًا. قال الزركشي: تبعًا لابن مالك حيث قال في توضيحه: تقديره إما يكون محسنًا وإما يكون مسيئًا فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى الخبر وأكثر ما يكون ذلك بعد إن ولو كقوله:

انطق بحق وإن مستخرجًا إحنًا ... فإن ذا الحق غلاّب وإن غلبا

وكقوله:

علمتك منّانًا فلست بآمل ... نداك ولو غرثان ظمآن عاريا

وفي لعل في هذين الموضعين شاهد على مجيء لعل للرجاء المجرد من التعليل وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: ١٨٩] لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون، ومعنى يستعتب يطلب العتبى أي الرضا عنه، وتعقبه في المصابيح فقال: اشتمل كلامه على أمرين ضعيفين قابلين للنزاع. أما الأول: فجزمه بأن كلاًّ من قوله محسنًا ومسيئًا خبر ليكون محذوفة مع احتمال أن يكونا حالين من فاعل يتمنى وهو أحدكم، وعطف أحد الحالين على الآخر وأتى بعد كل حال بما ينبه على علة النهي عن تمني الموت والأصل لا يتمنى أحدكم الموت محسنًا أو مسيئًا أي سواء كان على حالة الإحسان أو الإساءة أما إن كان محسنًا فلا يتمنى الموت لعله يزداد إحسانًا على إحسانه فيضاعف أجره وثوابه، وأما إن كان مسيئًا فلا يتمنى أيضًا إذ لعله يندم على إساءته ويطلب الرضا عنه فيكون ذلك سببًا لمحو سيئاته التي اقترفها، وأما الثاني فادّعاؤه أن أكثر مجيء لعل للترجي المصحوب بالتعليل، وهذا ممنوع. وهذه كتب النحاة الأكابر طافحة بالإعراض عن ذكر هذا القيد، ولو سلم فليس في هذا الحديث شاهد على مجيئها للترجي المجرد لإمكان اعتبار التعليل معه وقد فهمت صحة اعتباره مما قررناه فتأمله اهـ.

وقد سبق في باب تمني المريض الموت من الطب مزيد على ما هنا فليراجع.

وفي الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدوّ ونحوه من مشاق الدنيا وأما إذا خاف ضررًا أو فتنة فلا كراهة فيه، وفي مناسبة الأحاديث الثلاثة للآية المسوقة قبلها غموض إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث، وحاصل ما في الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما في الحديث الحث على الصبر لأن تمني الموت غالبًا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به الموت على الحياة فإذا نهي عن تمني الموت كان كأنه أمر بالصبر على ما نزل به، ومجمع الآية والحديث الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى قاله في فتح الباري.

٧ - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

(باب قول الرجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لولا الله ما اهتدينا).

٧٢٣٦ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ:

لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... نَحْنُ وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

إِنَّ الأُلَى -وَرُبَّمَا قَالَ- إِنَّ الْمَلَا قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا.

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا. يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بن أبي رواد البصري (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل معنا التراب) ونحن نحفر الخندق (يوم الأحزاب ولقد رأيته) صلوات الله وسلامه عليه حال كونه (وارى) بألف وفتح الراء من غير همز أي غطى (التراب بياض بطنه) حال كونه (يقول) يرتجز بكلام ابن رواحة عبد الله أو هو من كلام عامر بن الأكوع، وسبق لذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني: إن التراب لموار بياض إبطيه بكسر الهمزة وسكون الموحدة وفتح الطاء المهملة تثنية إبط والجملة حالية.

(لولا أنت ما اهتدينا) قال ابن بطال: لولا عند العرب يمتنع بها الشيء لوجود غيره تقول: لولا زيد ما صرت إليك أي كان مصيري إليك من أجل زيد، وكذلك لولا الله ما اهتدينا أي كانت هدايتنا من قبل الله (ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن) بنون التأكيد الخفيفة (سكينة) وقارًا وطمأنينة (علينا إن الأولى) بضم الهمزة فلام مفتوحة الذين (وربما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن الملأ قد بغوا علينا إذ أرادوا فتنة أبينا أبينا) مرتين من الإباء أي امتنعنا (يرفع بها صوته).

والحديث ومباحثه مرَّا في غزوة

<<  <  ج: ص:  >  >>