للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كالإفطار في بعض الأيام في غير رمضان والتزوّج، وثبت قوله فيه لأبي ذر (وتنزه عنه قوم) فسردوا الصوم واختاروا العزوبة (فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله) بكسر الميم زاد أبو ذر وأثنى عليه (ثم قال):

(ما بال أقوام يتنزهون) أي يتباعدون ويحترزون (عن الشيء أصنعه) أصنعه في موضع نصب على الحال من الشيء (فوالله إني أعلمهم بالله) أي بغضب الله وعقابه يعني أنا أفعل شيئًا من المباحات كالنوم والأكل في النهار والتزوّج وقوم يحترزون عنه فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله تعالى فإني أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم (وأشدهم له) تعالى (خشية). فأنا أولى أن أحترز عنه، وكان ينبغي لهم أن يجعلوا عدم تنزههم عن المرخص مسببًا عن عمله صلوات الله وسلامه عليه فعكسوا فأنكر عليهم.

قال الداودي: التنزه عمار خص فيه الشارع من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله وهذا إلحاد. قال في فتح الباري: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، لكن في حديث أنس: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألون عن عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أي أن بيننا وبينه بونًا بعيدًا فإنّا على صدد التفريط وسوء العاقبة وهو معصوم مأمون العاقبة وأعمالنا جنة من العقاب وأعماله مجلبة للثواب، فردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بأن ما استأثرهم من الإفراط في الرياضة لو كان أحسن من العدل الذي أنا عليه لكنت أولى بذلك، ففيه أن العلة التي اعتل بها من أشير إليهم في الحديث أنه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي الحديث بيان حسن خلقه، والحث على الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح شكًّا في إباحته، وفيه أن العلم بالله يوجب اشتداد الخشية.

وحديث الباب سبق في باب من لم يواجه بالعتاب من كتاب الأدب.

٧٣٠٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفْدُ بَنِى تَمِيمٍ أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِىِّ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلَافِى فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمٌ} قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِى السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أبو سفيان الرؤاسي أحد الأعلام (عن نافع بن عمر) الجمحي المكي الحافظ، ولأبي ذر: أخبرنا نافع بن عمر (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام زهير الأحول المكي أنه (قال: كاد) أي قارب (الخيران) تثنية خير بفتح المعجمة وتشديد التحتية المكسورة أي الرجلان الكثيران الخير (أن يهلكا) بكسر اللام والنصب بحذف نون الرفع وفيه دخول أن على خبر كاد وهو قليل ولأبي ذر أن يهلكان بإثبات نون الرفع وأن قبل والخيران هما (أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (لما) بفتح اللام وتشديد الميم (قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفد بني تميم) مشة تسع وسألوه أن يؤمر عليهم أحدًا (أشار أحدهما) أي أحد الخيرين وهو عمر (بالأقرع) أي بتأمير الأقرع (ابن حابس التميمي الحنظلي أخي) بالياء، ولأبي ذر عن الكشميهني: أخو (بني مجاشع) بالجيم والشين المعجمة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وسقط لغير أبي ذر التميمي (وأشار الآخر) وهو أبو بكر -رضي الله عنه- (بغيره) بتأمير غير الأقرع وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي (فقال أبو بكر لعمر) -رضي الله عنهما-: (إنما أردت) بتأمير الأقرع (خلافي) أي مخالفة قولي (فقال عمر) لأبي بكر: (ما أردت) بذلك (خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك (فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم}) إذا نطقتم ({فوق صوت النبي} إلى قوله: ({عظيم} [الحجرات: ٢]) أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تنقضوا منها بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة وسقط لغير أبي ذر قوله: {فوق صوت النبي}.

(قال) ولأبي ذر وقال (ابن أبي مليكة) زهير بالسند السابق (قال ابن المنير): عبد الله (فكان عمر) -رضي الله عنه- (بعد) أي

<<  <  ج: ص:  >  >>