للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي تركت الأدب جميعًا بين الأدلة، أو صارت جمعتك ظهرًا لحديث عبد الله بن عمرو، مرفوعًا، "ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا"، رواه أبو داود، وابن خزيمة.

ولأحمد من حديث علّي مرفوعًا: "ومن قال: صه! فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له". والنفي للكمال، وإلا فالإجماع على سقوط فرض الوقت عنه، وزاد أحمد من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، في آخر حديث الباب بعد قوله: "فقد لغوت" "عليك بنفسك". واستدلّ به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور.

نعم، لغير السامع عند الشافعية أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وكلام المجموع يقتضي أن الاشتغال بهما أولى، وهو ظاهر خلافًا لمن منع، كما مر، ولو عرض مهم ناجز: كتعليم خير، ونهي عن منكر، وتحذير إنسان عقربًا، أو أعمى بئرًا، لم يمنع من الكلام، بل قد يجب عليه. لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت.

نعم، منع المالكية نهي اللاغي بالكلام، أو رميه بالحصى: أو الإشارة إليه بما يفهم النهي حسمًا للمادة، وقد استثني من الإنصات ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة، كالدعاء للسلطان مثلاً.

وبقية مباحث ذلك سبقت قريبًا في باب: الاستماع إلى الخطبة.

٣٧ - باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ

(باب الساعة التي) يستجاب فيها الدعاء (في يوم الجمعة).

٩٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [الحديث ٩٣٥ - طرفاه ٥٢٩٤، ٦٤٠٠].

وبالسند قال. (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ذكر يوم الجمعة فقال):

(فيه ساعة) أبهمها هنا كليلة القدر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح، حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم.

وقد روي: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"، ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب، وملازمة الذكر والدعاء، والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات.

وهل هذه الساعة باقية أو رفعت؟

وإذا قلنا بأنها باقية، وهو الصحيح، فهل هي في جمعة واحدة من السنة؟ أو في كل جمعة منها؟

قال بالأول كعب الأحبار لأبي هريرة، وردّه عليه فرجع لما راجع التوراة إليه. والجمهور على وجودها في كل جمعة.

ووقع تعيينها في أحاديث كثيرة: أرجحها حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، مرفوعًا: "أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة". رواه مسلم وأبو داود.

وقول عبد الله بن سلام، المروي عند مالك، وأبي داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، من حديث أبي هريرة أنه قال لعبد الله بن سلام: أخبرني ولا تضنّ. فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي ... " وتلك الساعة لا يصلّى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلّي ... " الحديث.

واختلف أيّ الحديثين أرجح؟ فرجح مسلم، فيما ذكره البيهقي، حديث أبي موسى، وبه قال جماعة منهم ابن العربي، والقرطبي، وقال: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وجزم في الروضة بأنه الصواب. ورجحه بعضهم أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وبأنه في أحد الصحيحين.

وتعقب بأن الرجيح بما فيهما، أو في أحدهما، إنما هو حيث لم يكن مما انتقده الحفاظ، وهذا قد انتقد لأنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب، لأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه.

وقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة، وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من الكوفة، وأبو بردة منها أيضًا، فهو أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد.

ورجح آخرون: كأحمد وإسحاق، قول ابن سلام، واختاره ابن الزملكاني، وحكاه عن نص الشافعي ميلاً إلى: أن هذه رحمة من الله تعالى للقائمين بحق هذا اليوم، فأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل.

وقيل في تعيينها غير ذلك مما يبلغ نحو الأربعين، أضربت

<<  <  ج: ص:  >  >>