للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يخبره، وقد كان موسى، عليه السلام، علم أنه لا يقبض حتى يخبر، ولهذا لما أخبره في الثانية، قال: الآن. (فرجع) ملك الموت (إلى ربه فقال) رب (أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فردّ الله) عز وجل (عليه عينه) ليعلم موسى إذا رأى صحة عينه أنه من عند الله، ولأبي ذر: فيردّ الله، بلفظ المضارع إليه عينه بالهمزة قبل اللام بدل العين (وقال) له: (ارجع) إلى موسى (فقل له يضع يده يده على متن ثور) بالمثناة الفوقية في الأولى، وبالمثلثة في الثانية، أي ظهر ثور (فله بكل ما غطت به يده، بكل شعرة سنة. قال) موسى: (أي رب! ثم ماذا) بعد هذه السنين (قال) الله تعالى: (ثم) يكون بعدها (الموت. قال) موسى: (فالآن) يكون الموت، والآن اسم لزمان الحال، وهو الزمان الفاصل بين الماضي والمستقبل، واختار موسى الموت لما خيّر شوقًا إلى لقاء ربه كنبينا،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما قال: الرفيق الأعلى (فسأل الله) موسى (أن يدنيه) أي: يقربه (من الأرض المقدسة) أي: المطهرة، و: أن، مصدرية في موضع نصب، أي: سأل الله الدنو من بيت المقدس ليدفن فيه (رمية بحجر) أي: دنوًا لو رمى رام حجرًا من ذلك الموضع الذي هو موضع قبره لوصل إلى بيت المقدس.

وكان موسى إذ ذاك في التيه، ومعه بنو إسرائيل، وكان أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة، فامتنعوا فحرم الله عليهم دخولها أبدًا غير: يوشع وكالب، وتيههم في القفار أربعين سنة في ستة فراسخ، وهم ستمائة ألف مقاتل، وكانوا يسيرون كل يوم جادًّين، فإذا أمسوا في الموضع الذي اْرتحلوا عنه، إلى أن أفناهم الموت، ولم يدخل منهم الأرض المقدسة أحد ممن امتنع أوّلاً أن يدخلها إلا أولادهم مع يوشع، ولما لم يتهيأ لموسى عليه الصلاة والسلام دخول الأرض المقدسة لغلبة

الجبارين عليها، ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها، طلب القرب منها، لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه".

وقيل: إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت، وعورض بأن موسى، عليه السلام، قد نقل يوسف، عليه السلام، لما خرج من مصر.

وأجيب: بأنه إنما نقله بوحي، فتكون خصوصية له، وإنما لم يسأل نفس بيت المقدس، ليعمى قبره، خوفًا من أن يعبده جهال ملته. قال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله.

وقد اختلف في جواز نقل الميت، ومذهب الشافعية: يحرم نقله من بلد إلى بلد آخر ليدفن فيه، وإن لم يتغير لما فيه من تأخير دفنه المأمور بتعجيله، وتعريضه لهتك حرمته، إلا أن يكون بقرب مكة، أو المدينة، أو بيت المقدس، فيختار أن ينقل إليه لفضل الدفن فيها. والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله. قال الزركشي: ولا ينبغي التخصيص بالثلاثة، بل لو كان بقربه مقابر أهل الصلاح والخير، فالحكم كذلك لأن الشخص يقصد الجار الحسن. اهـ.

وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، وقال وهب: خرج موسى لبعض حاجته، فأمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا لم ير شيئًا قط أحسن منه، فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا: أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت. قالوا: فانزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربك. قال: ففعل، ثم تنفس أسهل تنفس، فقبض الله روحه. ثم سوّت عليه الملائكة التراب. وقيل: إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة، فشمها، فقبض روحه.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلو كنت ثمّ) بفتح المثلثة، أي: هناك (لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر) بالمثلثة أي: الرمل المجتمع، وهذا ليس صريحًا في الاعلام بقبره الشريف، ومن ثم حصل الاختلاف فيه، فقيل: بالتيه، وقيل: بباب لنا ببيت المقدس، أو بدمشق، أو بواد بين بصرى والبلقاء، أو بمدين بين المدينة وبيت المقدس، أو بأريحا، وهي من الأرض المقدسة.

وفي هذا الحديث: التحديث والإخبار والعنعنة، وشيخ المؤلّف مروزي، ومعمر بصري، وأخرجه مسلم في: أحاديث الأنبياء، كالمؤلّف مرفوعًا، والنسائي في: الجنائز، وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في: أحاديث الأنبياء.

٧٠ - باب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ. وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَيْلاً

(باب) جواز (الدفن بالليل) وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والجمهور. وكرهه: قتادة، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأحمد في رواية عنه.

(ودفن) بضم الدال مبنيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>