للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واتخذوها أوثانًا، لعنهم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمَّا من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا للتعظيم ولا للتوجه إليه، فلا يدخل في الوعيد المذكور.

وقد ترجم المؤلّف، قبل ثمانية أبواب، بباب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ويحتاج إلى الفرق بين الترجمين، فقال ابن رشيد: الاتخاذ أعم من البناء، فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أم لا. وقال الزين بن المنير: كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد لأجل القبور، بحيث لولا تجدّد القبر ما اْتخذ المسجد، وبهذه بناء المسجد في المقبرة على حدته، لئلا يحتاج إلى الصلاة، فيوجد مكان يصلّي فيه سوى المقبرة، فلذلك نحا به منحى الجواز. اهـ. قال في الفتح: والمنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا.

وهذا الحديث مضى في باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية؟.

٧٢ - باب مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ

(باب من يدخل قبر المرأة) لأجل إلحادها.

١٣٤٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ- فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. فَقَالَ: فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا. قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا". قَالَ ابْنُ مُبَارَكِ قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: {لِيَقْتَرِفُوا} أَي لِيَكْتَسِبُوا.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي، بفتح الواو وبالقاف، الباهلي البصري (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) قال: الواقدي: اسمه عبد الملك، وفليح، لقب غلب عليه. وسقط: ابن سليمان، عند أبي ذر، قال: (حدّثنا هلال بن علي) هو: ابن أسامة العامري (عن أنس) هو: ابن مالك (رضي الله عنه، قال):

(شهدنا بنت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أم كلثوم زوج عثمان بن عفان (ورسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جالس على) جانب (القبر) -الجملة اسمية حالية (فرأيت عينيه تدمعان) بفتح الميم، وفيه جواز البكاء حيث لا صياح، ولا غيره. مما ينكر شرعًا، كما سبق (فقال):

(هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة) بالقاف والفاء، أي: لم يجامع أهله، ومثله في الكناية قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] وقد كان من عادة أدب القرآن أن يكني عن الجماع باللمس لبشاعة التصريح، فعكس، فكني عن الجماع بالرفث، وهو أبشع تقبيحًا لفعلهم لينزجروا عنه، وكذلك كني في هذا الحديث عن المباح بالمحظور لصون جانب بنت الرسول عما ينبئ عن الأمر المستهجن (فقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري: (أنا) لم أقارف الليلة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأنزل في قبرها).

ففيه: أنه لا ينزل الميت في قبره إلا الرجال متى وجدوا، وإن كان الميت امرأة، بخلاف النساء لضعفهن عن ذلك غالبًا، ولأنه معلوم أنه كان لبنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، محارم من النساء، كفاطمة، وغيرها. نعم، يندب لهن كما في شرح المهذّب: أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش، وتسليمها إلى من في القبر، وحل ثيابها فيه.

وقد كان عثمان أولى بذلك من أبي طلحة لأن الزوج أحق من غيره بمواراة زوجته، وإن خالط غيرها تلك الليلة، وإن لم يكن له حق في الصلاة، لأن منظوره أكثر. لكن عثمان، رضي الله عنه، قارف تلك الليلة، فباشر جارية له، وبنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محتضرة، فلم يعجبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كونه شغل عن المحتضرة بذلك، لصيانة جلالة محل ابنته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ورضي عنها. قال ابن المنير: ففيه خصوصية.

(قال: فنزل) أبو طلحة (في قبرها، فقبرها) أي: لحدها. وسقط قوله: فقبرها، عند الأصيلي، وأبي ذر، وابن عساكر.

(قال ابن مبارك) عبد الله. ولأبي ذر: قال ابن المبارك، بالتعريف أي: مما وصله الإسماعيلي: (قال فليح) يعني: ابن سليمان: (أراه) بضم الهمزة، أي أظنه (يعني) بقوله: يقارف (الذنب). لكن المرجح التفسير الأول، ويؤيده ما في بعض الروايات بلفظ: لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة. فتنحى عثمان، رضي الله عنه، وقد قال ابن حزم: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بأنه لم يذنب تلك الليلة، لكن أنكر الطحاوي تفسيره: بالجماع، وقال: بل معناه: لم يقاول، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء.

(قال أبو عبد الله) البخاري مؤيدًا لقول ابن المبارك، عن فليح: ({ليقترفوا}) [الأنعام: ١١٣] معناه: (أي ليكتسبوا). أو أراد المؤلّف بذلك توجيه الكلام المذكور، وأن لفظ: المقارفة في

<<  <  ج: ص:  >  >>