للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فرعون وقومه، واستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك ({سوء العذاب}) الغرق في الدنيا، ثم النقلة منه إلى النار ({النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًّا}) جملة مستأنفة، أو: النار، بدل من سوء العذاب، ويعرضون حال. وروى ابن مسعود: أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار بكرة وعشيًا، فقال لهم: هذه داركم. رواه ابن أبي حاتم، قال القرطبي: الجمهور على أن هذا العرض في البرزخ، وفيه دليل على بقاء النفس، وعذاب القبر ({ويوم تقوم الساعة}) أي: هذا ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة قيل لهم: ({أدخلوا})

{آَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٥] عذاب جهنم فإنه أشد مما كانو فيه، أو أشد عذاب جهنم.

وهذه الآية المكية أصل في الاستدلال لعذاب القبر، لكن استشكلت مع الحديث المروي في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين: أن يهودية في المدينة كانت تعيذ عائشة من عذاب القبر، فسألت عنه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: كذب يهود، لا عذاب دون القيامة. فلما مضى بعض أيام، نادى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، محمرًا عيناه، بأعلى صوته: أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإنه حق.

وأجيب: بأن الآية دلت على عذاب الأرواح في البرزخ، وما نفاه أوّلاً ثم أثبته، عليه الصلاة والسلام، عذاب الجسد فيه. والأولى أن يقال: الآية دلت على عذاب الكفار، وما نفاه، ثم أثبته عذاب القبر للمؤمنين. ففي صحيح مسلم، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، أن يهودية قالت لها: أشعرت أنكم تفتنون في القبور؟ فلما سمع، عليه الصلاة والسلام، قولها ارتاع، وقال: إنما تفتن اليهود. ثم قال بعد ليال: أشعرت أنه أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور، وفي الترمذي، عن عليّ قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: ١ - ٢] وفي صحيح ابن حبان، من حديث أبي هريرة مرفوعًا في قوله تعالى: {فإن له معيشة ضنكًا} قال عذاب القبر.

١٣٦٩ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}.

وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والمثلثة، الحضرمي (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأوّل، وضمها وفتح الموحدة مصغرًا آخره هاء تأنيث في الثاني، وصرّح في رواية أبي الوليد الطيالسي، الآتية إن شاء الله تعالى في التفسير بالإخبار بين شعبة وعلقمة، وبالسماع بين علقمة وسعد بن عبيدة (عن البراء بن عازب، رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(إذا أقعد المؤمن في قبره) بضم همزة أقعد مبنيًا للمفعول، كهمزة (أتي) أي: حال كونه مأتيًّا إليه. والآتي: الملكان منكر ونكير (ثم شهد) بلفظ الماضي: كعلم، وللحموي والكشميهني كما في الفرع، وقال في الفتح، والمستملي بدل الكشميهني: ثم يشهد، بلفظ المضارع، كيعلم (أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله) وفي رواية أبي الوليد المذكورة، المسلم، إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (فذلك قوله) تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) الذي ثبت بالحجة عندهم، وهي كلمة التوحيد، وثبوتها تمكنها في القلب، واعتقاد حقيتها، واطمئنان القلب

بها. زاد في رواية أبي الوليد {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] وتثبيتهم في الدنيا: أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزالوا عنها، وإن ألقوا في النار ولم يرتابوا بالشبهات. وتثبيتهم في الآخرة: أنهم إذا سئلوا في القبر لم يتوقفوا في الجواب وإذا سئلوا في الحشر، وعند موقف الإشهاد، عن معتقدهم ودينهم، لم تدهشهم أهوال القيامة. وبالجملة، فالمرء على قدر ثباته في الدنيا يكون ثباته في القبر وما بعده وكلما كان أسرع إجابة كان أسرع تخلصًا من الأهوال. والمسؤول عنه في قوله: إذا سئلوا الثابت في رواية أبي الوليد، محذوف أي: عن ربه ونبيه ودينه.

وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، ورواته ما بين: بصري وكوفي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجنائز، وفي التفسير، ومسلم في: صفة النار، وأبو داود في: السنة، والترمذي في: التفسير، والنسائي في: الجنائز، وفي التفسير، وابن ماجة في: الزهد.

١٣٦٩م- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا، وَزَادَ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. [الحديث ١٣٦٩م- طرفه في: ٤٦٩٩].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة، العبدي البصري، ويقال له:

<<  <  ج: ص:  >  >>