للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا; إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشْعِرُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، إِذْ عَلَّلَ تَعْلِيقَ الْإِثْمِ عَلَى ابْنِ آدَمَ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ سَنَّ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ مِثْلُهُ، إِذْ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْإِثْمُ بِمَنْ سَنَّ الْقَتْلَ; لِكَوْنِهِ قَتْلًا دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ لِكَوْنِهِ سَنَّ سُنَّةَ سُوءٍ وَجَعَلَهَا طَرِيقًا مَسْلُوكَةً.

وَمِثْلُ هَذَا مَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَوْ يَأْتِي كَقَوْلِهِ: «وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ; كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا».

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

فَلْيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ رَبَّهُ، وَلْيَنْظُرْ قَبْلَ الْإِحْدَاثِ فِي أَيِّ مَزَلَّةٍ يَضَعُ قَدَمَهُ فِي مَصُونِ أَمْرِهِ، [أَمْ] يَثِقُ بِعَقْلِهِ فِي التَّشْرِيعِ، وَيَتَّهِمُ رَبَّهُ فِيمَا شَرَعَ! وَلَا يَدْرِي الْمِسْكِينُ مَا الَّذِي يُوضَعُ لَهُ فِي مِيزَانِ سَيِّئَاتِهِ، مِمَّا لَيْسَ فِي حِسَابِهِ، وَلَا شَعَرَ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِ.

فَمَا مِنْ بِدْعَةٍ يَبْتَدِعُهَا أَحَدٌ فَيَعْمَلُ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ، إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ إِثْمُ ذَلِكَ الْعَامِلِ، زِيَادَةً إِلَى إِثْمِ ابْتِدَاعِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ عَمَلِهِ ثَانِيًا.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ تُبْتَدَعُ، فَلَا تَزْدَادُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ إِلَّا مُضِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>