للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْعَوَامِّ جُمْلَةً، وَلَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ طَلَبَةِ ذَلِكَ الْبَلَدَ الَّذِي احْتَلَّهُ هَذَا الْبَائِسُ ـ وَهُوَ مَالِقَةُ ـ آخِذًا يَنْظُرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] وَهَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ؟ وَجَعَلَ يَطْرُقُ إِلَيْهِ الِاحْتِمَالَاتِ، لِيُسَوِّغَ إِمْكَانَ بَعْثِ نَبِيٍّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَقْتَلُ هَذَا الْمُفْتَرِي عَلَى يَدِ شَيْخِ شُيُوخِنَا أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَلَقَدْ حَكَى بَعْضُ مُؤَلِّفِي الْوَقْتِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الْجَيَّابِ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ بِالتَّأَهُّبِ يَوْمَ قَتْلِهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ إِلَى مَصْرَعِهِ جَهَرَ بِتِلَاوَةِ سُورَةِ يس، فَقَالَ أَحَدُ الزَّعْرَةِ مِمَّنْ جَمَعَ السِّجْنُ بَيْنَهُمَا: اقْرَأْ قُرْآنَكَ، لِأَيِّ شَيْءٍ تَنْفَصِلُ عَلَى قُرْآنِنَا الْيَوْمَ؟ أَوْ فِي مَعْنَى هَذَا، فَتَرَكَهَا مَثَلًا بِلَوْذَعِيَّتِهِ.

وَأَمَّا مُفَارَقَةُ الْجَمَاعَةِ، فَبِدْعَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَلِذَلِكَ يُجَازِي مُفَارَقَتَهَا بِالْمِيتَةِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ كَالْعُبَيْدِيَّةِ وَأَشْبَاهِهِمْ.

فَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ. وَبَاقِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ عَائِدٌ إِلَى نَحْوٍ آخَرَ، كَكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَقِلَّةِ الرِّجَالِ، وَتَطَاوُلِ النَّاسِ فِي الْبُنْيَانِ، وَتَقَارُبِ الزَّمَانِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَوَادِثِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهَا تَقَعُ وَتَظْهَرُ وَتَنْتَشِرُ أُمُورٌ مُبْتَدَعَةٌ عَلَى مُضَاهَاةِ التَّشْرِيعِ، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ التَّعَبُّدِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا عَادِيَّةً، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ بِدْعَةٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>