للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ، وَإِنْ كَانَتْ زَلَّةُ الْعَالِمِ مِمَّا يَهْدِمُ الدِّينَ، حَيْثُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ: زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ. وَلَكِنْ إِذَا قَرُبَ مُوقِعُ الزَّلَّةِ لَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهَا تَفَرُّقٌ فِي الْغَالِبِ وَلَا هَدْمٌ لِلدِّينِ. بِخِلَافِ الْكُلِّيَّاتِ.

فَأَنْتَ تَرَى مُوقِعُ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ كَيْفَ هُوَ فِي الدِّينِ إِذَا كَانَ اتِّبَاعًا مُخِلًّا بِالْوَاضِحَاتِ. وَهِيَ أُمُّ الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ عَدَمُ تَفَهُّمِ الْقُرْآنِ مُوقِعٌ فِي الْإِخْلَالِ بِكُلِّيَّاتِهِ وَجُزْئِيَّاتِهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا لِلْكُفَّارِ بِدَعٌ فَرْعِيَّةٌ. وَلَكِنَّهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَمَا قَارَبَهَا. كَجَعْلِهِمْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا، ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ مَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى شُرَكَائِهِمْ. وَتَحْرِيمِهِمُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، وَقَتْلِهِمْ أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَتَرْكِ الْعَدْلِ فِي الْقِصَاصِ وَالْمِيرَاثِ، وَالْحَيْفِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْحِيَلِ، إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ، حَتَّى صَارَ التَّشْرِيعُ دَيْدَنًا لَهُمْ، وَتَغْيِيرُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ، فَأَنْشَأَ ذَلِكَ أَصْلًا مُضَافًا إِلَيْهِمْ وَقَاعِدَةً رَضُوا بِهَا، وَهِيَ التَّشْرِيعُ الْمُطْلَقُ لَا الْهَوَى، وَلِذَلِكَ لَمَّا نَبِّهَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: ١٤٣] قَالَ فِيهَا: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: ١٤٣] فَطَالَبَهُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ لَا يُشَرِّعَ إِلَّا حَقًّا وَهُوَ عِلْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>