للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحَبَّةِ. وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالَى بِسَبَبِهِ وَعَادَى، وَلَمْ يُبَالِ بِمَا لَقِيَ فِي طَرِيقِهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، فَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ حَصَّلَهَا، وَنُكْتَةٍ اهْتَدَى إِلَيْهَا فَهِيَ مُدَّخَرَةٌ فِي خِزَانَةِ حِفْظِهِ يَحْكُمُ بِهَا عَلَى مَنْ وَافَقَ وَخَالَفَ، لَكِنْ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى إِمْسَاكِ نَفْسِهِ عَنِ الْإِظْهَارِ مَخَافَةَ النَّكَالِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْإِضْرَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَاهَنَ عَلَى نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِظْهَارِهِ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَبْلَغَ الِاسْتِيلَاءِ، فَكَذَلِكَ الْبِدْعَةُ إِذَا اسْتَخْفَى بِهَا صَاحِبُهَا.

وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ أُشْرِبَهَا نَاصِبٌ عَلَيْهَا بِالدَّعْوَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَهِيَ الْخَاصِّيَّةُ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الْخَوَارِجِ وَسَائِرِ مَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ.

وَمِثْلُ مَا حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَوَاصِمِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ: أَنَّهُ وَرَدَ بِهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هُورَانَ الْقُشَيْرِيُّ الصُّوفِيُّ مِنْ نَيْسَابُورَ فَعَقَدَ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ، وَحَضَرَ فِيهِ كَافَّةُ الْخَلْقِ، وَقَرَأَ الْقَارِئُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] قَالَ لِي أَخَصُّهُمْ: مَنْ أَنْتَ - يَعْنِي الْحَنَابِلَةَ - يَقُومُونَ فِي أَثْنَاءِ الْمَجْلِسِ وَيَقُولُونَ قَاعِدٌ! قَاعِدٌ! بِأَرْفَعِ صَوْتٍ وَأَبْعَدِهِ مَدًى، وَثَارَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُشَيْرِيِّ وَمِنْ أَهْلِ الْحَضْرَةِ، وَتَثَاوَرَ الْفِئَتَانِ وَغَلَبَتِ الْعَامَّةُ، فَأَحْجَرُوهُمْ إِلَى مَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ وَحَصَرُوهُمْ فِيهَا وَرَمَوْهُمْ بِالنِّشَابِ، فَمَاتَ مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَرَكِبَ زَعِيمُ الْكُفَاةِ وَبَعْضُ الدَّارِيَّةِ فَسَكَنُوا ثَوْرَتَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>